مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
ولاية السيدة الزهراء (عليها السلام) في الأمور العامة /
+ = -

ن لسيدتنا فاطمة عليها السلام ولاية شاملة ومالكية التصرف في كل الأرض بمقتضى آية الأنفال والفيء والخمس؛ وذلك لدخولها في عنوان ذوي القربى ، بل هي أول من يصدق عليها هذا العنوان فلم يكن أحداً أولى بالنبي منها ( عليها السلام ) فتدخل في ذوي القربى اللازم مودتهم أي اللازم ولايتهم ، والتي تعني ولايتها ( عليها السلام ) ، وهي عامة كما تدخل في الولاية المفادة في آية الأنفال والفيء والخمس المقتضية لكون إدارة الأموال العامة تحت نظرها بل ذلك هو عين الولاية في الأمور العامّة ، لأنه ملكية التصرف في كل الأرض وهو عين ماهية الولاية المزبورة ، مع أنها ( عليها السلام ) ليست بامام تستقل في تلك الولاية ، بل بالمشاركة مع النبي والامام بنحو طولي وقد نصّت الآية في قوله تعالى ( وآت ذا القربى حقه )[1] بأنها نزلت فيها ( عليها السلام ) للروايات المتواترة بين الطرفين ، كما أن دخولها في ذلك العنوان ( عليها السلام ) وأسبقية رتبتها في تولي النبي ( صلى الله عليه وآله ) مقتضي لكونها وارثة روحية لمقامات النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما هي وارثة بدنية له ( صلى الله عليه وآله ) أي تكويناً وتشريعاً ، والأول بلحاظ الكمالات المعنونة والمقامات الملكوتية ، والثاني بلحاظ المناصب والأموال الاعتبارية إلا ما خصصه الدليل كالإمامة . وقد وردت الإشارة إلى هذه الوراثة في زيارتي الحسين ( عليه السلام ) يوم عرفة ما نصّه : ” السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء “[2] وفي زيارة مطلقة له ( عليه السلام ) كذلك[3] كما ورد في زيارة الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ما نصه : ” السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء “[4] مما يدلل على وقوعها في سلسلة الوراثة اللدنية النورية للمعصومين الأربعة عشر ( عليهم السلام ) ومجمل مقاماتهم .

ففي المقام جهات :

الجهة الأولى : ولايتها في الأموال العامّة

انّ إدارة الأموال العامّة هو من منصب ذوي القربى ، ويدلّ عليه قوله تعالى ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )[5].

وكذا قوله تعالى ( يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول فاتقوا وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين )[6].

وقوله تعالى ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير )[7].

ومن المقرر والمحرر في محله كون الأنفال هي الفيء بعينه ، وقد جُعلت ولايته وملكية التصرف فيه لله وللرسول ولذي القربى . والأنفال والفيء كما هو محرر في الفقه ، عموم الموارد والمنابع الطبيعية أي الثروة في بلاد المسلمين ، وهي كل أرض جلى عنها أهلها أو سلموها طوعاً بغير قتال أو كانت خربة بادَ أهلها وكل مالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام والموات التي لا أرباب لها والمعادن وصفايا الملك وقطائعهم وما يصطفى من الغنيمة في الحرب ، وميراث من لا وارث له ، والغنائم من الحرب والقتال بغير اذن الامام .

وكذا الحال في ضريبة الخمس سواء في غنائم الحرب ومطلق ما يغنمه الانسان في كسبه من أرباح التجارات والصناعات وغيرها .

وكذلك ما يستخرج من معادن وكنوز وما يستخرج بالغوص ، والمال المختلط بالحرام لأجل تطهيره وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم ، وقد جبى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخمس من المسلمين من أرباح مكاسبهم كما دلّت على ذلك مصادر الفريقين[8].

وضريبة الخمس من أكبر الضرائب المقننة في الشريعة الاسلامية ، فهي تفوق الزكاة .

ومن المقرر في الفقه أن ولاية الخمس وملكية التصرف فيه هي لله وللرسول ولذي القربى وذلك لمكان اللام – لا الملكية – في الآيات ( لله وللرسول ولذي القربى ) وهذه بخلاف الموارد الثلاثة الأخرى وهي ( اليتامى والمساكين وابن السبيل ) مما يدلل على أن الأخيرة مصرف – أي مورد للصرف – من دون أن يكون ملكاً لهم ولا ولايته راجعة لهم ، وغيرها من الأدلة الدالة على ذلك كالروايات المستفيضة وقد علل تقنين ولاية الأموال العامة لذوي القربى في سورة الحشر بأن الحكمة فيه هي ارساء العدالة الاقتصادية والمالية في المجتمع المسلم وإزالة الطبقية الفاحشة فلا تكون الثروة عندئذ حكراً متداولاً بين الأغنياء ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) وقد شددت كلاً من سورتي الحشر والأنفال على خطورة هذا المقام وان اغتصابه يقابل بشدة العقاب من الله تعالى وبزوال الايمان لقوله تعالى ( ان كنتم مؤمنين ) وهذا ما قد حدث فعلاً ، حيث أن باعتصاب هذا المقام بدأ التفاوت الطبقي في الأموال العامة حتى خصصت بعض زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) في العهد الأول وبعض رموز السقيفة باعطيات من بيت المال دون سائر المؤمنين واستشرى ذلك أكثر في عهد الثاني حيث فرّق في العطاء بين المهاجرين والأنصار[9] ، وبين العرب والعجم ، وبين الأسود والأبيض وبلغ ذروته في عهد الثالث حتى ثار عليه المسلمون – كما هو معروف في مدونات التاريخ – .

الجهة الثانية : المراد من ذوي القربى

انّ المراد بذوي القربى في الآيات السالفة من آيات الفيء والخمس ، خصوص فئة معينة من ذوي القربى ، لا كل ذوي القربى ، أي الفئة التي تتصف بالعصمة عن الخطأ والجهل ولها مقام وشأن الحجية الإلهية ، ويشهد لذلك أمور :

الأول : انّه قد عُلل جعل ولاية الأموال العامة في آية الفيء والأنفال بما تقدم ذكره – عند الجهة الأولى – وهو ارساء العدالة الاجتماعية في التوزيع المالي وغيره من الأنشطة المالية ، وبالتالي يتم تحقيق العدالة الاقتصادية ، وينعدم الفارق الطبقي الفاحش ومن ثمّ فلا تكون هناك طبقات مسحوقة ، ومن الواضح ان هذه الغاية تحتاج إلى كفاءة ذات صفة علمية خاصة وصفة عملية خاصة ، أي أن الكفاءة العلمية يجب أن تبلغ درجة كفيلة بالإحاطة بالأمور سواء من جهة موضوعات الأبواب المالية أو من جهة مجموعة القوانين الشرعية كما هي في اللوح المحفوظ ، فلا يعيقه عدم الالمام بأطوار الأنشطة المالية ، ومدى سلامتها وصحتها الشرعية – القانونية ، كما لا يعيقه الجهل بالطرق والحلول المالية المواكبة لتطورات مناخ الحياة الاجتماعية المستجدة ، هذا من جانب .

ومن جانب آخر يجب أن تكون أمانته والصفة العملية فيه بدرجة يكون معصوماً عن اتباع الهوى أو العصبية فلا يؤثر فئة على أخرى ، أي عدم تخصيص فرص المال بفئة دون أخرى ، كما لا تحمله العصبية والغضب للاقدام على حرمان جماعة أو قوم دون آخرين ، وهذا لا يتوفر إلا في من عُصِمَ من ناحية العلم والعمل .

الثاني : انّ مقتضى آية التطهير هو عصمة خصوص أصحاب الكساء من ذوي القربى دون غيرهم ، ومقتضى المناسبة مع مقام الولاية على الأموال العامّة تخصيصها بالمطهرين دون غيرهم من ذوي القربى .

الثالث : انّ مقتضى عنوان القرابة الذي خُصِص بهذا الشأن انطباقه على الأقرب فالأقرب بحسب القرب في الرحم ، كما هو الحال في كل مورد تنتقل ولاية الشخص إلى ولاية الأقرب فالأقرب والذي يليه .

الرابع : ما سيأتي في الجهة اللاحقة تطبيق النبي ( صلى الله عليه وآله ) في روايات الفريقين عنوان القربى على فاطمة ( عليها السلام ) وكذا على أصحاب الكساء ، وقد تقدم في الجهات السابقة .

فتحصّل من الجهة الثانية إرادة ذوي القربى المعصومين ( عليهم السلام ) .

الجهة الثالثة : الزهراء ( عليها السلام ) أول من ينطبق عليها ذوي القربى

انّ أول من ينطبق عليه عنوان ذوي القربى رتبة هي الصديقة الزهراء صلوات الله عليها وذلك بمقتضى بنوتها له ( صلى الله عليه وآله ) فهي أقرب رحماً ، ويشهد لذلك أيضاً ما نزل من قوله تعالى ( وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل . . . )[10] حيث دعا ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) فأعطاها فدكاً كما في روايات الفريقين[11].

فيستنتج من ذلك أن أول من يصدق عليه ( ذوي القربى ) في آية الأنفال وآية الخمس هي الصديقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وبالتالي فهي ممن جعل لهم مقام الولاية في الأموال العامة وان لم تكن اماماً .

الجهة الرابعة : إذنها في الخمس والأنفال بمقتضى ولايتها ( عليها السلام )

ما ورد في روايات إباحة الخمس والأنفال لشيعتهم المحمول على الموارد المخصوصة الثلاثة فتوى ونصاً قد تضمنت تلك الروايات اذن الصديقة ( عليها السلام ) في ذلك بجانب اذن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) واذن الأمير واذن الحسنين وباقي الأئمة ( عليهم السلام ) .

وهذا يؤكد الاستفادة السابقة في الجهات المتقدمة من أن تدبير وولاية الأموال العامّة كان ثابتاً للصديقة الزهراء ( عليها السلام ) في حين ثبوته للأئمة وان لم تكن هي إماماً . وهذه الإباحة في الموارد الخاصة منهم ( عليهم السلام ) ومنها كذلك متسالم عليه ومقتضاه التسالم على المفاد المزبور .

كما أن ذلك يشهد لما تقدم من عدم منافاة ما دل من الروايات المستفيضة والمتواترة على تفسير ذوي القربى بالامام عدم منافاته مع صدق عنوان ذوي القربى عليها أيضاً في آيات الأنفال والخمس ، مع أن في بعض روايات الخمس والأنفال تفسير ذوي القربى بالحجة في زمانه ، وهذا عنوان منطبق عليها .

فمن هذه الروايات :

1 – رواية أحمد بن محمد المعتمدة في العديد من أحكام باب الخمس ، في حديث قال ( عليه السلام ) : ” والذي للرسول هو لذوي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصّة “[12].

2 – ومن تلك الروايات صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ” من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم ، قال : قلت : جعلت فداك ما أول النعم ؟ قال : طيب الولادة ، ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لفاطمة ( عليها السلام ) : أحلي نصيبك من الفيء لاباء شيعتنا ليطيبوا ، ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : انا أحللنا أمهات شيعتنا لأبائهم ليطيبوا “[13].

3 – وفي قوية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ” قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : على كل امريء غَنِمَ أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة ( عليها السلام ) ، ولمن يلي امرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة ، يضعونه حيث شاؤوا ، إذ حرّم عليهم الصدقة إلى اخر قوله “[14].

ومحل الاستشهاد في هذه الرواية موضعين :

الأول : تصريحه ( عليه السلام ) بأن ذي القربى هي فاطمة ( عليها السلام ) .

الثاني : تخصيص ما لفاطمة ( عليها السلام ) من ولاية التصرف وملكية التدبير ، بانتقاله إلى الحجج المعصومين من ذريتها دون باقي ذريتها ، الدال على الوراثة في المناصب الإلهية أو الولاية في الأمور العامّة لا في الشؤون الفردية العادية التي يستوي فيها المعصوم مع غير المعصوم في الإرث ، مما يعني أن لها هذا المقام والمنصب الإلهي والولاية في إدارة الأموال العامة .

وبتعبير آخر : أنه كما أن ولاية الله أو الرسول في الخمس باقية إلى يوم القيامة بمقتضى آية الخمس والأنفال والفيء كذلك الحال في ولاية الزهراء ( عليها السلام ) في الخمس والأنفال والفيء باقية دائماً في طول ولاية الله ورسوله ، وأن غاية الأمر أن الأئمة من ذريتها ينوبون عنها فيما لها من ولاية .

على أن ولاية الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قائمة بالفعل إلى يوم القيامة والمبلّغ عنه أوامره ونواهيه بعد ارتحاله الشريف هو الإمام القائم الحي ، وهذا أمر مرتكز عند كل متشرع بدين الاسلام ، نظير ما احتج الإمام الحسين ( عليه السلام ) على ابن عباس في خروجه إلى العراق بأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ايّاه في الرؤيا .

4 – طائفة من الروايات العديدة التي فسرت ذوي القربى بأهل البيت وفاطمة ( عليها السلام ) منهم بمقتضى آية التطهير والنصوص المستفيضة والمتواترة فيها[15].

ونموذج من تلك الطائفة صحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ” وجدنا في كتاب علي ( عليه السلام ) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا “[16] الحديث .

5 – ما يأتي من الروايات في الجهة اللاحقة في قوله تعالى ( وآت ذا القربى حقه ) أن المراد بذوي القربى أولهم فاطمة ( عليها السلام ) .

الجهة الخامسة : الآية تُثبت كونها ( عليها السلام ) أبرز أفراد ذوي القربى

قوله تعالى ( وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل )[17].

والبحث في هذه الآية موضوعاً ومحمولاً دال على كون ذوي القربى المراد بهم في أبرز أفراده هي فاطمة ( عليها السلام ) من ناحية الموضوع ، ومن ناحية المحمول المراد بالحق هو ملكية تصرّفها في الأموال العامّة من الأنفال والفيء وملكيتها في الخمس ، على أن الآية نزلت في فاطمة ( عليها السلام ) كما هو عليه الفريقان ، فممن روى أنها نزلت في فاطمة ( عليها السلام ) ما في معارج النبوّة قال لما نزل جبرئيل إلى رسول الله بقوله تعالى ( وآت ذا القربى حقه ) قال رسول الله ” من ذو القربى وما حقّه ؟ قال : هو فاطمة فاعطها فدك ” [18].

الجهة السادسة : ثبوت الخمس لها ومطالبتها به يقتضي ولايتها العامّة

انّ ثبوت حقها في الخمس بعنوان ذوي القربى ومطالبتها به عند مخاصمتها لأبي بكر محتجة على ذلك لكونها أول قرابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) – كما قد تبيّن ذلك في الجهة السابقة – مقتض لثبوت ولايتها العامة ، وان لم تكن اماماً وذلك لأن الخمس أكبر ضريبة مالية في التشريع الاسلامي ، وهي تزيد على حاجات بني هاشم – زادهم الله شرفا – إذ الخمس كما هو واضح هو 20 % من مجموع رساميل الأمة ، وهذا المقدار الهائل من المال مقوم لمقام الولاية العامة على الناس ، وهذا ما دفع أهل السقيفة والأنظمة المتعاقبة بعدهم إلى منع الخمس عن أهل البيت ( عليهم السلام ) حيث قد فطنوا إلى ما يعنيه الخمس من الولاية العامة وهو ما أفصح عنه قول عمر إلى أبي بكر عندما أشار اليه بمنع الخمس عن أهل البيت ( عليه السلام ) علل ذلك بأن الخمس موجب لحكومة أهل البيت على الناس حيث قال : انّ الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها فامنع عن علي الخمس والفيء وفدك فانّ شيعته إذا علموا بذلك تركوا علياً رغبة في الدنيا وايثاراً ومحاباة عليها[19]. وهو ما دعى عمر بن الخطاب كذلك أن يقول في مخاصمته للصديقة ( عليها السلام ) : وأنت تدّعين أمراً عظيماً يقع فيه الردة بين المهاجرين والأنصار[20] ودعاه إلى أن يقول أيضاً : فضعي الحبال في رقابنا[21] ، قال المجلسي في شرحها : أي انّك إذا أعطيت ذلك وضعت الحبل على رقابنا وجعلتينا عبيداً لكِ ، وإذا حكمت على مالم يوجف عليه أبوك بأنها ملككِ فاحكمي على رقابنا أيضاً بالملكية .

وفي سنن البيهقي في باب سهم ذوي القربى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيت علياً ( عليه السلام ) عند أحجار الزيت فقلت له : بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت الخمس ؟ قال ( عليه السلام ) : ” انّ عمر قال لكم حق ولا يبلغ علمي إذا كثر أن يكون لكم كله ، فان شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كلّه ، فأبى أن يعطينا كله “[22]. ولأجل ذلك تشدد أبو بكر وعمر في منع الخمس عنهم .

وفي تفسير الطبري عن قتادة أنه سأل عن سهم ذي القربى فقال : كان طعمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله صدقة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )[23].

وفي سنن البيهقي أيضاً عن أبي الطفيل قال : جاءت فاطمة ( عليها السلام ) إلى أبي بكر قالت : ما بال الخمس ، قال : اني سمعت رسول الله يقول إذا أطعم الله نبياً طعمة ثم قبضه كانت للذي يلي بعده ، فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين[24].

وفي مسند أحمد وسنن البيهقي كان أبو بكر يقسّم الخمس نحو قسم رسول الله غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما كان النبي يعطيه منه[25].

وهذا كما ترى اقرار من أبي بكر بكون جعل الخمس لذوي القربى هو من شؤون ولاية أهل البيت العامّة وبالتالي من شؤون ولاية الزهراء ( عليها السلام ) في الأمور العامّة وان لم تكن اماماً .

تأملات جديدة في محاججات فدك

بل انّما نسبه أبو بكر إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من القول ما تركناه صدقة حجة على أبي بكر تخصمه من جهتين :

الأولى : هب أن الخمس والفيء والأنفال الخاص برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) – كما يقر بذلك أبو بكر وليس هو للمسلمين – هو صدقة قد تصدق بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سبيل الله ، الا أن الكلام في من تكون له النظارة والاشراف على تلك الصدقة المسبلة فانّ الذي يخلف المتصدق في الصدقات المسبلة والصدقات الجارية هو وارث المتصدق لا الأجنبي ، فأحق من يقوم مقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويكون ناظراً في صدقاته الجارية هو وارثه ، وهي الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) ، ومن ثم هي التي يكون لها الولاية العامة على هذه الأموال فيعود ما رواه خاصماً له داحضاً لدعواه .

الثانية : أن أبا بكر بوضع يده على الخمس مبرراً ذلك بأنه لولي الأمر ولاية عامة اقرار منه بأن جعل الخمس لذوي القربى منه تعالى مقرونين بالرسول هو جعل للولاية العامة لهم ولولاية الامر .

هذا وقد أشار إلى ذلك – أي أن مقتضى اختصاص الخمس بذوي القربى هو ولاية عامة – الفقيه الامام السيد الخميني رحمه الله تعالى بقوله : الخمس أحد الموارد الضخمة التي تصب في بيت المال ويشكّل أحد مصادر الميزانية وبحسب مذهبنا يؤخذ الخمس بشكل عادل من جميع المصالح سواء الزراعة أو التجارة أو المصادر المخزونة في جوف الأرض أو الموجودة فوقها وبشكل عام من جميع المنافع والعوائد بنحو يشمل الجميع من بائع الخضار على باب المسجد إلى العامل في السفن أو من يستخرج المعادن فهؤلاء عليهم دفع الخمس من أرباحهم بعد صرف المصارف المتعارفة إلى الحاكم الاسلامي لكي يضعه في بيت المال ، ومن البديهي أن مورداً بهذه العظمة انّما هو لأجل إدارة بلد اسلامي وسد جميع حاجاته المالية فعندما نحسب أرباح جميع البلدان الاسلامية أو جميع أنحاء الدنيا فيما لو صارت تحت الحكم الاسلامي – يتضح لنا أن الهدف في وضع ضريبة كهذه ليس مجرد سد حاجة السادة الهاشميين وعلماء الدين بل إن القضية أهم من ذلك فالهدف هو سد الحاجة المالية لجهاز حكومي كبير ففي ما لو قامت الحكومة الاسلامية فيجب أن تدار بواسطة هذه الضرائب من الخمس والزكاة – ومقدار الزكاة بالطبع ليس كبيراً والجزية والخراج ( الضرائب على الأراضي الوطنية الزراعية ) – فالسادة الهاشميون ليسوا بحاجة إلى ميزانية كهذه إذ خمس أرباح سوق بغداد يكفي للسادة ولجميع الحوزات العلمية وجميع فقراء المسلمين فضلاً عن أسواق طهران واسطنبول والقاهرة وسائر الأسواق ، فتعيين الميزانية بهذه الضخامة يدل على أن الهدف هو تشكيل حكومة وإدارة بلد .[26]

وأخرج المجلسي في البحار عن مصباح الأنوار عن ابن بابويه مرفوعاً إلى أبي سعيد الخدري قال : ” لما نزلت ( وآت ذا القربى حقه ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ] لفاطمة ( عليها السلام ) [ : لكِ فدك ” وفي رواية أخرى عنه أيضاً مثله ، وعن عطية قال : ” لما نزلت ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة فأعطاها فدك ” وعن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ” اقطع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة فدك ” وعن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ” قلت أكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطى فاطمة فدك ؟ قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقفها فانزل الله ( وآت ذا القربى حقه ) فأعطاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حقها قلت : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطاها ؟ قال : بل الله تبارك وتعالى أعطاها “[27] إلى غيرها من الروايات الآتية .

فكون فاطمة ( عليها السلام ) مورداً لنزول الآية أمر محقق بين الفريقين ، مضافاً إلى اقتضاء عنوان ذي القربى ذلك كما مرّ . فيقع البحث في مفاد الحكم في هذه الآية وعن معنى الحق الذي أمر تعالى نبيّه باعطائه فاطمة ( عليها السلام ) ، هل هو قضية في واقعة ، أم أنه بنحو القضية الحقيقية الدائمة ومن اجل ذلك استحقت نزول قرآن فيها ، وإلا لكان أمراً الهياً ينزل به الوحي من دون أن يكون قرآناً يُتلى على أسماع المسلمين إلى يوم القيامة . وبالتالي تنتهي إلى أن البحث عن هذا الحق هل هو مغاير للحق الذي جعل لذي القربى في آية الخمس وآيات الأنفال والفيء وهو ملكية التصرف في الأموال العامة وولايتهم فيها أم أنه حق آخر .

الظاهر أنه الوحدة والاتحاد ، وذلك لأن ظاهر الآية ليس ابتداء تشريع الحق لذي القربى وانّما هو تنجيز وتنفيذ ما قد شرّع وجُعل فهو أمر بالمعاجلة في الأداء والانجاز لما قد قُرر سابقاً ، نظير قوله تعالى في آيات الغدير ( يا أيها النبي بلّغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل ما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس انّ الله لا يهدي القوم الكافرين )[28] حيث أن الامر في الآية ليس إلا بتبليغ وانفاذ ما قد أمر به سابقاً ، أي أن الامر متعلق بتعجيل الانجاز وعدم التراخي والتأخير خوفاً من عدم ايمان الناس بذلك وعدم استجابتهم فكذا الحال في آية ( وآت ذا القربى حقه ) حيث أن هذا الحق قد قُرر وجُعل سابقاً في آيات الفيء والأنفال والخمس إلا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يُنجزه خشية من ارجاف المنافقين والطعن على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبالتالي تزلزل ايمان واستجابة الناس لأمر الله تعالى .

ولعل في ابطائه ( صلى الله عليه وآله ) إرادة منه لتأكيده تعالى بقرآن اخر قاطعاً شك المرتابين كما تشعر به كل من آيات الخمس والفيء والأنفال ، حيث ذُيّلت آية الأنفال بقوله تعالى ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين ) وذيّلت آية الفيء أيضاً بقوله تعالى ( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله انّ الله شديد العقاب ) . وذيّلت آية الخمس بقوله تعال ( ان كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ) مما ينبيء عن عدم انصياع الناس وتزلزل خطبهم في حق ذي القربى وهو ولايتهم على الأموال العامة .

رؤية جديدة في فدك

ومما يدعم أن اعطاء فدك لم تكن قضية في واقعة بل هو حق مستمر إلى يوم القيامة ان خصام الصديقة ( عليها السلام ) مع أبي بكر في أمر فدك كان احتجاجاً بحق ذوي القربى وملكية تصرفهم في الفيء والأنفال وخمس الغنائم ، فلم يكن خصامها منصبّاً على خصوص فدك كما لم يكن خصامها في فدك مقدمة أو كناية للاحتجاج في ولاية وامامة علي ( عليه السلام ) فحسب ، بل إن الخصام في فدك هو بعينه احتجاج لولاية أهل البيت وإمامتهم ( عليهم السلام ) ، لأن فدك التي أعطاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة بنزول الآية هو انجاز لحقهم في ملكية التصرف في الفيء والأنفال وخمس الغنائم ، فالخصام في فدك بعينه خصام في ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) لأن الولاية على الفيء والأنفال كما تقدم يستلزم الولاية والإمامة العامة – وان كان ملكيتها ( عليها السلام ) لفدك هي بوجوه متعددة من كونها نحلة وكونها أداء لدين مهر خديجة وكونها إرثاً وكونها تحت يدها وكونها مطهرة معصومة لا تقول إلا الصدق ، وغيرها من الوجوه التي تتبيّن بالتدبر عند محاجّتها في فدك . وقد كان احتجاجها والمطالبة بفدك بكل تلك الوجوه – الا ان عمدة وجوه الاحتجاج هو بحق ذوي القربى وولايتهم في الأنفال والفيء ويلوح من ثقة الاسلام الكليني ذلك حيث يقول وأما الأنفال فليس هذه سبيلها فهي كانت للرسول ( صلى الله عليه وآله ) خاصة وكانت فدك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاصة لأنه ( صلى الله عليه وآله ) فتحها وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يكن معهما أحد[29] ويصرح بذلك من الروايات :

الأولى : ما رواه الكليني والشيخ في التهذيب باسنادهما عن علي بن أسباط قال : ” لما ورد أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) على المهدي رآه يرد المظالم فقال يا أمير المؤمنين ما بال مظلمتنا لا تُرد فقال له وما ذاك يا أبا الحسن قال : ان الله لما فتح على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ( وآت ذا القربى حقه ) فلم يدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من هم فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل ( عليه السلام ) ربّه فأوحى الله اليه أن ادفع فدك إلى فاطمة ( عليها السلام ) فدعاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لها يا فاطمة انّ الله أمرني أن أدفع إليك فدك ، فقالت قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك فلم يزل وكلائها فيها حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلائها فأتته فسألته أن يردها عليها ، فقال لها أئتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك فجاءت بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأمّ أيمن فشهدا لها فكتب لها بترك التعرض فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال ما هذا معك يا بنت محمد ، قالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة ، قال أرنييه فأبت فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه فقال لها هذا لم يوجف أبوك فضعي الحبال في رقابنا فقال له المهدي : يا أبا الحسن حدها لي ، فقال حد منها جبل أحد وحد منها عريش مصر وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة الجندل ، فقال له كل هذا ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين هذا كله ، ان هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخيل ولا ركاب فقال : كثير وأنظر فيه “[30].

وفي البحار عن المناقب أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر : خذ فدكاً حتى أردها إليك ، فيأبى حتى الحّ عليه فقال ( عليه السلام ) ” لا آخذها إلا بحدودها ، قال : وما حدودها ؟ قال : ان حددتها لم ترّدها قال :

بحق جدك إلا فعلت ؟ قال : أما الحد الأول فعدن فتغير وجه الرشيد وقال : أيهاً قال : والحد الثاني سمرقند فاربّد وجهه قال : والحد الثالث إفريقية فاسودّ وجهه وقال : هيه قال : والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية قال الرشيد : فلم يبق لنا شيء فتحوّل إلى مجلسي قال موسى : قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردّها فعند ذلك عزم على قتله “[31].

وفي هذه الرواية دلالة واضحة على اتحاد الحق في قوله تعالى ( وآت ذا القربى حقه ) والحق في الفيء والأنفال الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، كما أن فيه تصريح بأن أول مصاديق ذوي القربى هي فاطمة ( عليها السلام ) كما أن في الرواية تصريح بأن حقها ( عليها السلام ) يمتد بامتداد الأنفال وسعتها ، فالبلاد التي لم تفتح بيد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا بأذنه فهي من الأنفال وبالتالي تكون متعلقة بحق الصديقة ( عليها السلام ) ، ومن بعدها للأئمة من ذريتها ومن ثم فلا يقتصر حقها في ملكية التصرف في الأموال العامة ، بل أن ولايتها تشمل التدبير في مطلق الأمور العامة في الوقت الذي كانت الولاية بيد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومن بعده للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بلا تعارض بين هذه الولايات ، أي بنحو الطولية ، كما هو الحال بين ولاية الله تعالى وولاية الرسول وولاية الامام المعصوم وسيأتي بيان ذلك في الجهة اللاحقة .

وبعبارة أخرى أنما ورد من أن الأرض كلها للإمام ، المراد به هو كون الأنفال له ومعنى كون الأرض كلها له ملكية التصرف وولاية التصرف فيها ، وهذه الملكية في حين أنها ليست على حذو الملكية الفردية الخاصة بل بمعنى ولايته على الأرض وتدبير أمورها ، هي ملكية أيضاً بالمعنى الاصطلاحي كذلك ، إذ لا معنى للملك الا السلطنة على التصرفات ، فيتبيّن من ذلك انّ الملكية للفيء والأنفال والأرض ليست ملكية مالية محضة بل هي علاوة على ذلك ولاية تصرف وتدبير وحيث أن الصديقة ( عليها السلام ) ممن له الحق في الأنفال والفيء فهي ذات ولاية في الأمور العامة وملكية تصرف وتدبير فيها ، وان لم تكن ولايتها مستقلة كالإمامة ومن ثم فسر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) حقّ الصديقة في فدك والذي ورثه هو ( عليه السلام ) عن جدته الصديقة ( عليها السلام ) فسره بالولاية العامة على بلاد المسلمين ، لا كما يقال من معنى الرواية بأنه ( عليه السلام ) كنّى عن حقّه في الإمامة والولاية بحق الصديقة في خصوص فدك ، بل الأصل في تعبيره ( عليه السلام ) أن حق فدك استحقته ( عليها السلام ) باستحقاقها في الأنفال والفيء الذي هو الولاية في الأمور العامّة لا أنه يستلزمه وتفصح آية الفيء عن ذلك حيث تعلل اختصاص ذوي القربى بالفيء والأنفال بأنه موجب للعدالة المالية والاقتصادية بين المسلمين . ومن البيّن أن تلك العدالة لا تتحقق إلا لمن يملك زمام الأمور العامة ، فهذا الاختصاص في حين أنه ملكية بتمام ما للملكية من معنى فهو أيضاً ولاية للأمور العامة لما تقدم من أن الملكية ليست إلا السلطنة على التصرفات . نظير هذه الرواية ما ورد في البحار من أخبار الخلفاء وتعاطيهم في فدك .

الثانية : ما رواه المفضل عن الصادق ( عليه السلام ) قوله :

” لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر : ان الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس والفيء ، وفدكاً ، فان شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا وايثاراً ومحاباة عليها ، ففعل أبو بكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك فلما قام – أبو بكر بن أبي قحافة – مناديه : من كان له عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دين أو عدة فلياتني حتى أقضيه ، وأنجز لجابر بن عبد الله ولجرير بن عبد الله البجلي .

قال : قال علي ( عليه السلام ) لفاطمة ( عليها السلام ) صيري إلى أبي بكر وذكريه فدكاً ، فصارت فاطمة اليه وذكرت له فدكاً مع الخمس والفيء ، فقال : هاتي بيّنة يا بنت رسول الله فقالت : أما فدك ، فانّ الله عز وجل أنزل على نبيّه قرآناً يأمر فيه بأن يؤتيني وولدي حقي ، قال الله تعالى ( فآت ذا القربى حقه ) فكنت أنا وولدي أقرب الخلائق إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنحلني وولدي فدكاً ، فلما تلا عليه جبرئيل ( عليه السلام ) ( والمسكين وابن السبيل ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما حق المسكين وابن السبيل ؟ فأنزل الله تعالى ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فقسم الخمس على خمسة أقسام ، فقال ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء ) فما لله فهو لرسوله ، وما لرسول الله فهو لذي القربى ، ونحن ذو القربى ، قال الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) فنظر أبو بكر بن أبي قحافة إلى عمر بن الخطاب وقال : ما تقول ؟ فقال عمر : ومَن اليتامى والمساكين وأبناء السبيل ؟ فقالت فاطمة ( عليها السلام ) اليتامى الذين يأتمون بالله وبرسوله وبذي القربى والمساكين الذين اسكنوا معهم في الدنيا والآخرة ، وابن السبيل الذي يسلك مسلكهم قال عمر : فاذن الخمس والفيء كله لكم ولمواليكم وأشياعكم ؟ فقالت فاطمة ( عليها السلام ) أما فدك فأوجبها الله لي ولولدي دون موالينا وشيعتنا وأما الخمس فقسمه الله لنا ولموالينا وأشياعنا كما يقرأ في كتاب الله ، قال عمر : فما لسائر المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ؟ قالت فاطمة : ان كانوا موالينا ومن أشياعنا فلهم الصدقات التي قسّمها الله وأوجبها في كتابه فقال الله عز وجل ( انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ) قال عمر : فدك لك خاصة والفيء لكم ولأوليائكم ؟ ما أحسب أصحاب محمد يرضون بهذا ؟ قالت فاطمة : فانّ الله عز وجل رضي بذلك ورسوله رضي به ، وقسّم على الموالاة والمتابعة لا على المعاداة والمخالفة ، ومن عادانا فقد عادى الله ، ومن خالفنا فقد خالف الله ومن خالف الله فقد استوجب من الله العذاب الأليم والعقاب الشديد في الدنيا والآخرة ، فقال عمر : هاتي بيّنة يا بنت محمد على ما تدّعين ؟ ! فقالت فاطمة ( عليها السلام ) قد صدّقتم جابر بن عبد الله وجرير بن عبد الله ولم تسألوهما البيّنة ! وبيّنتي في كتاب الله ، فقال عمر : ان جابراً وجريراً ذكرا أمراً هيّناً ، وأنت تدعين أمراً عظيماً يقع به الردة من المهاجرين والأنصار ، فقالت ( عليها السلام ) : ان المهاجرين برسول الله وأهل بيت رسول الله هاجروا إلى دينه ، والأنصار بالايمان بالله ورسوله وبذي القربى أحسنوا ، فلا هجرة إلا الينا ولا نصرة إلا لنا ، ولا اتباع باحسان الا بنا ، ومن ارتد عنا فإلى الجاهلية . فقال لها عمر : دعينا من أباطيلك ، واحضرينا من يشهد لك بما تقولين ! ! فبعثت إلى علي والحسن والحسين وأم أيمن وأسماء بنت عميس – وكانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة – فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادّعته فقال : أما علي فزوجها ، وأما الحسن والحسين ابناها ، وأمّ أيمن فمولاتها ، وأما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم ، وقد كانت تخدم فاطمة ، وكل هؤلاء يجرّون إلى أنفسهم ، فقال علي ( عليه السلام ) : أما فاطمة فبضعة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن آذاها فقد آذى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن كذّبها فقد كذّب رسول الله ، وأما الحسن والحسين فابنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسيدا شباب أهل الجنّة ، ومن كذّبهما فقد كذّب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ كان أهل الجنة صادقين ، وأما أنا فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت منّي وأنا منك ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة والراد عليك هو الراد عليّ ، ومن أطاعك فقد أطاعني ، ومن عصاك فقد عصاني ، وأما أم أيمن فقد شهد لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالجنّة ، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها ، قال عمر : أنتم كما وصفتم أنفسكم ، ولكن شهادة الجار إلى نفسه لا تقبل ، فقال علي ( عليه السلام ) : إذا كنا كما نحن تعرفون ولا تنكرون ، وشهادتنا لأنفسنا لا تقبل ، وشهادة رسول الله لا تُقبل ، فإنّا لله وانّا اليه راجعون ، إذا ادعينا لأنفسنا تسألنا البيّنة ؟ أفما من معين يُعين ، وقد وثبتم على سلطان الله وسلطان رسوله ، فاخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بيّنة ولا حجة ( وسيعلم الذين ظلموا أيّ مُنقلب ينقلبون ) ثم قال لفاطمة : انصرفي حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين[32].

فصريح هذه الرواية أن مطالبتها ( عليها السلام ) بفدك أحد وجوهها هو حقّها ( عليها السلام ) في الفيء والخمس وانّ المطالبة لم تكن مقتصرة على الأرض المخصوصة .

الثالثة : ومنها ما رواه الشيخ باسناده عن إسحاق بن عمار وأبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ” انّ الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة ( عليه السلام ) ربع الدنيا ، فربعها لها ، وأمهرها الجنة والنار ، تُدخِل أعداءها النار وتدخل أوليائها الجنة ، وهي الصديقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى “[33].

والتعبير باللام على حذو التعبير بها في آية الفيء والأنفال المفيدة لملك التصرف والولاية العامّة ، ولعل وجه التقدير بالربع لبيان عدم استقلالها ( عليها السلام ) بالولاية ، بل بالمشاركة الطولية مع النبي والامام المعصوم ( عليه السلام ) ، حيث أنها لم تكن اماماً .

الرابعة : وروى العلامة السيد علي الهمداني وهو من علماء أهل السنّة في مودة القربى عن عتبة بن الأزهري عن يحيى بن عقيل قال : سمعت علياً يقول : ” قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : انّ الله أمرني أن أزوجك بفاطمة ( رض ) على خمس الدنيا أو على ربعها ، شك فيه عتبة ، فمن مشى على الأرض وهو يبغضك في الدنيا فالدنيا عليه حرام ، ومشيه فيها حرام “[34].

الخامسة : ورووا أيضاً كالصفّوري الشافعي البغدادي في نزهة المجالس[35] ، وفي المحاسن المجتمعة[36] وأبي يوسف الدمشقي في أخبار الدول وآثار الأول[37]. والدهلوي في تجهيز الجيش[38].

رووا جميعاً أن صداقها شفاعتها في أمّة أبيها .

وهذا يعاضد ولايتها على هذه الأمة ، إذ الشفاعة لمجموع الأمة يستلزم كون الشفيع ذو صلة بين مجموع الأمة والمشفوع عنده ، حيث أن الشفاعة نحو كفالة مطوي فيها تحمّل الشفيع مسؤولية المشفوع عنه ، مما يعطي كون الشفيع له نحو ولاية مسبقة على المشفوع عنه ، لا سيما أن في الحديث ورد عنوان ” الأمة ” .

السادسة : وما رواه المجلسي ، قيل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : قد علمنا مهر فاطمة في الأرض فما مهرها في السماء ؟ قال : ” سل عمّا يعنيك ودع ما لا يعنيك ، قيل : هذا مما يعنيننا يا رسول الله قال : كان مهرها في السماء خمس الأرض فمن مشى عليها مغضباً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة ” .

السابعة : في معتبرة يعقوب بن شعيب : ” قال لما زوّج رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) عليّاً فاطمة دخل عليها وهي تبكي فقال لها ما يبكيك ، فواللّه لو كان في أهلي خير منه ما زوجتكه ، وما أنا زوجتكه ولكن اللّه زوجك وأصدق عنكِ الخمس ما دامت السماوات والأرض “[39].

الثامنة : وفي الكافي : ” ولكن اللّه زوّجك من السماء وجعل مهركِ خمس الدنيا ما دامت السماوات والأرض “

التاسعة : وفي الجلاء والشفاء في خبر طويل عن الباقر ( عليه السلام ) ” وجعلت نِحلتها من علي خمس الدنيا وثلث الجنّة وجُعلت لها في الأرض أربعة أنهار : الفرات ، ونيل مصر ، ونهروان ، ونهر بلخ ، فزوّجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنّة لأمّتك ” .

العاشرة : وفي حديث خباب بن الأرت ثم قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ” زوّجت فاطمة ابنتي منك بأمر الله تعالى على صداق خمس الأرض وأربعمائة وثمانين درهما ، الاجل خمس الأرض ، والعاجل أربعمائة وثمانين درهما ” وقد روي حديث خمس الأرض يعقوب بن شعيب عن الصادق ( عليه السلام ) [40].

الحادية عشر : ومثله ما في مصباح الأنوار وكتاب المحتضر رفعه باسناده عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) : ” يا علي ان الله عز وجل زوّجك فاطمة وجعل صداقها الأرض ، فمن مشى عليها مبغضاً لك مشى عليها حراماً “[41].

الثانية عشر : وروي في فقه الرضا : ” أروي عن العالم ( عليه السلام ) أنه قال ركز جبرئيل برجله حتى جرت خمسة انهار ولسان الماء يتبعها الفرات ودجلة والنيل ونهر مهربان ونهر بلخ فما سقت وسقى منها فللامام ، والبحر المطيف بالدنيا ” وروي أن الله جل وعزّ جعل مهر فاطمة ( عليها السلام ) خمس الدنيا ، فما كان لها صار لولدها ( عليهم السلام ) .[42]

ومفاد هذه الجملة من الروايات من أمهار فاطمة ( عليها السلام ) بخمس الأرض أو ربعها وأنّها لها نظير ما ورد في أن الأرض كلها للامام ، والمراد باللام فيها ملكية التصرف أي الولاية العامة عليها .

الثالثة عشر : ومنها ما رواه الكليني في الكافي بسند صحيح إلى أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ” وجدنا في كتاب علي ( عليه السلام ) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا “[43].

الرابعة عشر : وما رواه الكليني كذلك بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ” ان الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ثم قال عز وجل : ( واعلموا انّما غنتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فنحن أصحاب الخمس والفيء وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شيء منه الا كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً ولو قد ظهر الحق لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد حتى أن الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه فلا يصل إلى شيء من ذلك وقد أخرجونا وشيعتنا من حقنا ذلك بلا عذر ولا حق ولا حجّة “[44].

ونظير هذه الرواية مما عبّر بذوي القربى كثير من الروايات الواردة في باب الأنفال والفيء ، وهذين العنوانين لا ريب في شمولهما لها ( عليها السلام ) .

والخلاصة : فقد تتحصل من الجهات المتقدمة مشاركة الصديقة ( عليها السلام ) للنبي وللامام ( عليهم السلام ) للولاية العامّة في الأمور بنحو المشاركة الطولية وان لم تكن ولايتها ( عليها السلام ) مستقلة بل بنحو التشريك ، وهذه الولاية بهذا المعنى ليس مقتضاها الإمامة والولاية العامّة الاصطلاحية ولكنها لا تقتصر على الأموال العامّة من جهة ماليتها ولا على خصوص ارض فدك والعوالي كما قد درج تفسير احتجاجها في ارض فدك على ذلك .

الجهة السابعة : ولايتها ومؤيدات أخرى

ويؤيد استفادة ولايتها من الآيات والروايات المتقدمة أمور أخرى منها : كون ولاية زواجها بيده تعالى خاصّة ، دون الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ودون الإمام المعصوم ، مع أن مقتضى قوله تعالى ( النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم )[45] هو ولايته على كل أفراد المؤمنين مقدمة على ولايتهم على أنفسهم ، ومن ثَم زوّج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من زيد بن حارثة مولاه ، مع أنها كانت كارهة لذلك ، فضلاً عن كراهية أهلها ، فنزل في ذلك قوله تعالى ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً )[46].

وكذلك الحال في الإمام المعصوم حيث يرث مقام الرسول فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في شؤونهم الفردية كما هو وليهم في أمورهم العامّة .

إلا أنّ في خصوص الزهراء ( عليها السلام ) قد ورد من طريق الفريقين[47] أنّ ولي امر زواجها هو اللّه تعالى خاصّة . وهذا مما يقتضي كون مقامها ذو شأن خطير ، وانّ لها نحو من الولاية لبلوغها تلك الدرجة التي تضطلع بأهلية خاصّة ، تتقيد قيمومته ( صلى الله عليه وآله ) بما هو الرسول عليها .

وهذا الاقتضاء مطرد في باب الولاية وماهيتها ، فانّ انحسار ولاية الولي على المولى عليه مع فرض واجدية الولي وأهليته للقيمومة لا يكون إلا ببلوغ المولى عليه درجة من الكمال يضطلع بها بشؤون الولاية ، كما في سائر موارد المولى عليهم .

منها : ما ورد من نصوص الفريقين – التي مرت في المقام الثاني – من أنه لم يكن لها كفو – لولا علي[48] – من آدم فما دونه ، إذ مقتضى عنوان الكفؤ ، المشاركة والمعادلة في الجملة ، ونظير ما ورد من الرواية في تفسير قوله تعالى ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) انّ البحرين هما علي وفاطمة ، والبرزخ هو النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه لا يطغي أحدهما على الاخر فقد روي في تفسير البرهان عن الكليني والصدوق وتفسير محمد بن عباس وغيره من كتب الأصحاب المعروفة احدى عشر طريقاً لهذه الرواية وكذا من طرق أهل السنّة ، ففي رواية يحيى بن سعيد العطار قال : ” سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ، قال : علي وفاطمة ( عليهما السلام ) بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه ، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان : الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ” ، وفي رواية أخرى فُسر البرزخ الذي بينهما برسول الله ( صلى الله عليه وآله )[49].

ومفاد هذه الروايات المتقدمة دال على نحو مشاركة لها ( عليها السلام ) في الولاية لما هو مقرر من تلازمها مع المقام العلمي اللدني ونحوه من المقامات الغيبية ، وبهذا التقريب يستشهد لولايتها العامّة بروايات اشتقاق النور .

منها : ما رواه المجلسي في بحاره مسنداً إلى سلمان الفارسي قال : ” دخلت على رسول ( صلى الله عليه وآله ) فلما نظر اليّ قال : يا سلمان انّ الله عز وجل لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل الله له اثني عشر نقيباً قال : قلت يا رسول الله قد عرفت هذا من الكتابين ، قال : يا سلمان فهل علمت نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي ؟

فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا سلمان خلقني الله من صفاء نوره فدعاني فأطعته وخلق من نوري علياً فدعاه إلى طاعته فأطاعه ، وخلق من نوري ونور علي ( عليه السلام ) فاطمة فدعاها فأطاعته ، وخلق مني ومن علي ومن فاطمة ، الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه فسمانا الله عز وجل بخمسة أسماء من أسمائه فالله المحمود وأنا محمد ، والله العلي وهذا علي ، والله فاطر وهذه فاطمة والله الاحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين “[50].

إذ من الواضح أن مفاد اشتقاق النور هو بيان لمقاماتهم ( عليهم السلام ) بحسب التكوين المترتب عليها الولاية بحسب التكوين والتشريع .

ومنها الروايات المتقدمة في مصحف فاطمة ( عليها السلام )[51].

ومنها : ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا باسناده عن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في حديث تزويج الله تعالى لفاطمة من علي ( عليهما السلام ) ، إلى أن قال : ” فقال الله عز وجل : يا راحيل ان من بركتي عليهما ( علي وفاطمة ) اني أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجتي على خلقي وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقاً ولأنشأنّ منهما ذرّية مباركة طاهرة أجعلهم خزاني في ارضي ومعادن لحكمي بهم احتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين . . . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ولقد أخبرني جبرئيل ( عليه السلام ) : انّ الجنّة وأهلها مشتاقون اليكما ولولا أن الله تبارك أراد أن يتخذ منكما ما يتخذ به على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة وأهلها . . “[52].

ومنها : الروايات المتقدمة في أن الله تعالى يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ، مما يدل على حجيتها كما تقدم من دون تقييد لذلك بالعلوم التي صدرت منها أي ليست حجيتها بالوساطة العلمية فقط بل يعمّ رضاها في الأمور العامّة وغضبها فيها . كما تجلى ذلك واضحاً في موقفها ( عليها السلام ) بُعيد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في رسم الخلافة الاسلامية لكل الأجيال ، ومن ثَمَ دارت أربعين ليلة على المهاجرين والأنصار تستحثهم على مناصرة علي وتجديد البيعة له ، مما يدل على اشرافها ومساهمتها في تدبير أس الأمور العامة وهي الخلافة .

ونظير ما ورد في وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي عند احتضاره ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة ، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل ( عليه السلام )[53]. فانّ مقتضى مادة الامر ثبوت نحو ولاية للآمر ، وان كان علي ( عليه السلام ) اماماً لفاطمة ( عليه السلام ) .

وفي رواية العباس عن أبي جعفر الأحول قال : ” قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ما تقول قريش في الخمس قال : قلت إنها ( أنه ) لها ، قال : ما انصفونا والله ، لو كانت مباهلة لتباهلن بنا وان كانت مبارزة لتبارزن بنا ، ثم يكون هم وعلي سواء “[54].

وتقريب دلالتها ، أنه ( عليه السلام ) جعل الملازمة بين من يباهل بهم ، ومن له الولاية على الخمس والذي هو أهم الضرائب المالية الكبرى في الشريعة الاسلامية .

ومقام المباهلة كما تقدم هو مقام الاحتجاج أي من يكون حجة على حقانية الدين وله هذا المقام هو الذي يكون صاحب ولاية في الخمس ، وهذا الحال سيان في الفيء والأنفال لأن العنوان هو ذوي القربى ، وأحد مصاديق من قامت به المباهلة ، هو الصديقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

ومنها : ما تقدم تقريبه في آية المودة ( قل لا أسألكم عليه اجراً إلا المودة في القربى )[55] فإن مفاد هذه الآية ولاية ذوي القربى المعصومين منهم خاصّة على الأمة ، وإن كان مطلق ذوي القربى لهم مطلق المودة ، وحيث تقرر ذلك :

فذوي القربى كما عرفت فيما تقدم أول مصاديقه فاطمة ( عليها السلام ) ، وقد فُسرت آية المودة في آيات أخرى كقوله تعالى ( قل ما أسألكم عليه اجراً إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً )[56] وكقوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا ان هو الا ذكرى للعالمين )[57] وقوله تعالى : ( قل ما سألتكم من اجر فهو لكم )[58] وقوله تعالى ( وما تسألهم عليه من اجر إن هو إلا ذكر للعالمين )[59] أي عائد نفعه لكم ، لأن مودة ذوي القربى سبيل هداية إلى الله وذكرى للعالمين ، فمودة ذوي القربى نفعه عائد للعالمين أنفسهم ، وهذا مما يعضد أن مودتهم هي بدرجة الولاية لهم والاهتداء بهم كسبيل إلى الله تعالى ، وحجيتهم على الخلائق ، فيكون كل ذلك ثابت لها ( عليها السلام ) . وكيف لا تكون هي أبرز من يندرج في مودة ذوي القربى وقد قال فيها النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن طرق الفريقين : ” انّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ” .

الجهة الثامنة : روايات أهل السنة وعموم مطالبتها بالخمس والفيء وفدك

روى البخاري بسنده عن عائشة في كتاب المغازي باب 38 باب غزوة خيبر أن فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر انّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال انا لا نورث ما تركناه صدقة ، انّما يأكل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) من هذا المال واني والله لا أغير من صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً فوجدت فاطمة فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها[60].

وهذه الرواية صريحة في كون فاطمة ( عليها السلام ) مطالبة بوراثتها لمقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الفيء ، ومن البيّن الواضح ان مقام النبي في الفيء ليس هو مجرد الملكية المالية والتصرفات بل هو الولاية

على كل الفيء والتي قد تقدم أنها أشد سلطنة من الملكية العادية في الأعيان .

كما أن صراحة هذه الرواية يدل على أن أحد وجوه مخاصمتها في فدك هو كونها في الفيء المسندة ولايته وملكية التصرف فيه لذوي القربى ، وأنها ( عليها السلام ) أول من يصدق عليه ذلك العنوان كما أن صريحة هذه الرواية مطالبتها بالخمس والفيء وفدك .

وفي صحيح مسلم بنفس اللفظ[61] ، وكذلك في مسند أحمد[62].

والى ذلك أشار ابن أبي الحديد : واعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة ( عليها السلام ) أبا بكر كان في أمرين ، في الميراث والنحلة وقد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث ومنعها أبو بكر ايّاه أيضاً وهو سهم ذوي القربى ، قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري : أخبرني أبو زيد عمر بن شبه قال حدثني هارون بن عمير قال : حدّثني الوليد بن مسلم قال : حدّثني صدقة أبو معاوية عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن يزيد الرقاشي عن انس بن مالك : بأن فاطمة ( عليها السلام ) أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ، ثم قرأت عليه قوله تعالى ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول ولذوي القربى ) الآية . فقال لها أبو بكر بأبي أنت وأمي ووالد ولدك ، السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحق قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرأين منه ، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملاً ، قالت : أفلك هو ولأقرباءك قال : لا بل انفق عليه منكم واصرف الباقي في مصالح المسلمين ، قالت : ليس هذا حكم الله تعالى قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأخبرنا أبو زيد قال : حدثنا هارون بن عمير قال : حدّثنا الوليد بن أبي الهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال : أرادت فاطمة أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى فأبى عليها[63].

واستعرض جملة من ذلك ابن قدامة في المغني قال : روي عن الحسن وقتادة في سهم ذي القربى كانت طعمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حياته فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله ، وروى ابن عباس أن أبا بكر وعمر قسّما الخمس على ثلاثة أسهم ونحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنفية وهو قول أصحاب الرأي قالوا : يقسم الخمس على ثلاثة اليتامى والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بموته وسهم قرابته أيضاً ، وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال ، قال ابن القاسم وبلغني عمن أثق به أن مالكاً قال : يعطي الامام أقرباء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على ما يرى . وقال الثوري والحسن : يضعه الامام حيث أراه الله عزّ وجلّ ، ولنا قول الله تعالى ( واعلموا انما غنمتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) إلى أن قال : فلا يُترك ظاهر النص وقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفعله من اجل قول أبي العالية ، وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فانّ الله تعالى سمّى لرسوله ولقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً كما سمى للثلاثة أصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب ، وأما حمل أبي بكر وعمر على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولن يذهب اليه ، ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فانّ ابن عباس لما سئل عن سهم ذوي القربى فقال : انا كنا نزعم أنه لنا فأبى ذلك عليه قومنا ولعل أراد بقوله أبى علينا قومنا فعل أبي بكر وعمر في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنّة كان أولى ، وقول ابن عباس وافق الكتاب والسنّة[64].

وما رواه المتقي الهندي في كنز العمال عن أحمد وابن جرير والبيهقي وغيرهم عن أبي الطفيل قال : ” جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت : فأنت ورثت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أم أهله قال : بل أهله ، قالت : فما بال الخمس ؟ قال : اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إذا أطعم الله نبياً طعمة ثم قبضه كانت للذي بعده فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين “[65].

وغيرها من روايات أهل السنة الدالة على أنها ( عليها السلام ) لم تقتصر مطالبتها في حقها على عين خاصة ونحو ذلك ، بل في عموم الفيء والخمس وميراثها لمقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيهما ، وهو ملكية تصرفه وولايته .