قال رسول الله (ص):- “كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها… وأسقطت جنينها وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية…” – بحار الأنوار/ ج 28 ص 38 نقلاً عن أمالي الصدوق 99
هي فاطمة الزهراء (ع) بنت نبي الرحمة وخاتم الرسل محمد بن عبد الله (ص)، سماها أم أبيها لأنها قامت بشؤونه بعد وفاة أمها خديجة (ع).
استشهدت في 3 جمادي الثاني سنة 11 للهجرة، أثر المصائب التي حلت بها بعد وفاة والدها (ص)، وهي غاضبة على أولئك الذين غصبوا حقها، ولم يطيعوا قول النبي الأكرم (ص) فيها: “فاطمة بضعة مني من أحبها فقد أحبني ومن آذاها فقد آذاني”. ولهذا دفنها أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع) ليلاً لئلا يحضر جنازتها من لا تحب كما أوصته بذلك.
ما أن أغمضت رسول الله (ص) عيناه حتى إنهال أهل المدينة حقداً وضغينة وعنفاً وجوراً وظلماً على أهل بيته وذريته الأطهار (ع) رغم أنه أوصاهم قائلا: “أني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا”، ولكن ما جرى على البضعة الطاهرة سيدة نساء العالمين الصديقة فاطمة (ع) ومنذ اللحظة التي فارقت فيها روح أبيها جسده الطاهر دفعها بالشكوى لوالدها والبكاء والنحيب عليه ليل نهار.
يروي لنا القرآن الكريم والتأريخ أن نبي الله يعقوب (ع) بكى أربعين عاماً على فقدانه لولده يوسف (ع) رغم علمه بأنه سوف يراه في يوم ما بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وقد تلطف عليه أبناء قومه وساعدوه في النحيب والبكاء على ولده وكانوا يلتفون حول بيت احزانه رغم هجره لهم كي لا يبقى نبي الله (عزوجل) وحيدا بألمه ومحنته هذه.
لكن دعونا نسأل ما كان تأثير بكاء سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي في بيتها وبالخفى على تلك النفوس المريضة حتى شعروا بالانزعاج، وهل بكاء امرأة جالسة في بيتها يسلب الراحة من أُولئك الشخصيات الفذة!!؟ حتى يدفع بشيوخ مدينة النبي (ص) للاجتماع عند الامام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ويشكونه له قائلين: يا أبا الحسن إن فاطمة تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يهنأ بالنوم في الليل على فُرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً.
فقال عليّ (عليه السلام): حبّاً وكرامة!!. ثم أقبل (ع) حتى دخل على فاطمة (س) فقال لها: يا بنت رسول الله إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إما أن تبكي أباك ليلاً وإمّا نهاراً.
فقالت: يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم! وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو أُلحق بأبي رسول الله (ص).
الأمر الذي دفع بأمير المؤمنين (ع) أن يبني لها بيتاً في اطراف المدينة سُمّي “بيت الأحزان”،حيث كانت (س) تصطحب ولديها الامامين الحسن والحسين (ع) معها الى ذلك البيت، للبكاء على والدها نبي الرحمة (ص) وتشكوه ألمها والظلم الذي حل بها، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين إليها وأرجعها إلى منزلها.
روى الامام علي (ع) فقال: بينما أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ التفت إلينا فبكى !فقلت: ما يبكيك يا رسول الله فقال: “أبكي مما يصنع بكم بعدي.. فقلت: وما ذاك يا رسول الله ؟قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خّدها، وطعن الحسن في الفخذ، والسم الذي يسقى…وقتل الحسين” – آمال الصدوق – البحار:28- الدمعة الساكبة
عاشت فاطمة الزهراء (ع) بعد أبيها (ص) فترة قصيرة حوالي ثلاثة أشهر، وهي فترة مليئة بالاحداث والمفاجئات لقد غمرت وجهها بكفها واستسلمت الى البكاء، وبقيت راكعة امام نعش والدها الذي احبها واحبته محدقة الى وجهه تغتسل بدموعها التي تذرفها.
فأي ظلم لحق بأهل البيت عليهم السلام ولحبيبة النبي الكريم بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى بفترة وجيزة جدا ً فقد آذوها وأغضبوها وضربوها واقتحموا دارها واسقطوا جنينها لا لشيء إلا لمخالفة أمر الرسول الكريم (ص)وإبعاد من أوصى به أن يكون خليفة من بعده وللسيطرة على مركز القيادة وهذا كله لاغتصاب الخلافة منهم فقد هجم القوم على بيت فاطمة (ع) واحرقوا بيتها وكسروا بابها ودخلوا جبرا ولطموا خد ها وكسروا ضلعها وقد نبت المسمار في صدرها واسقطوا جنينها وأخذوا فدكها…نعم حدث ذلك لهذه السيدة العظيمة حبيبة رسول الله (ص)بعد رحيل والدها النبي (ص)من الدنيا.
ومنذ لحظة رحيل رحمة للعالمين البشير النذير (ص) وحتى يومنا هذا وحكام الطغيان والفرعنة والزر والزور والتزوير خاصة في الجزيرة العربية يعيدون صفحات التاريخ باجرامهم وظلمهم لآل بيت النبوة والامامة وشيعتهم في كل بقاع العالم، وينفذون بالحرف الواحد قساوة ما خطط له ورسمه ونفذه أجدادهم الطغاة من بني أمية وأصحاب سقيفة بني ساعدة ومن خلفهم وتوارث سلطانهم ظلماً وجوراً وبهتاناً .
هاهم آل سعود واتباعهم وجلاوزتهم ومرتزقتهم ومن يدور في فلكهم في مجلس التعاون ودول ما تسمى بـ”محور الاعتدال العربي” وحليفهم العثماني المستبد يعيثون في الأرض الفساد؛ أسسوا للارهاب التكفيري والفتن الطائفية ودفعوا بذوي النفوس الضعيفة والسذج وعبدة الدرهم والدينار من وعاظ سلاطينهم لإطلاق فتاوى الزيف والتزييف والتزليف والمكر والخديعة لإيقاع بين صفوف الأمة ودفعهم نحو التناحر الطائفي والذبح على الهوية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وفلسطين ومصر والجزائر وتونس وافغانستان وباكستان وغيرها من البلاد، يدفعون بالأمة نحو القبلية والعصبية والجاهلية الأولى تلك التي سعى خاتم المرسلين (ص) لإنقاذهم منها بدعوتهم نحو العدالة والمحبة والمودة والتآخي والتعايش السلمي وحكومة الشعب الدينية .
الأنظمة الموروثية القابعة على رقاب الأمة تأبى أن يكون ذلك فتصب حمم النار الملتهبة على كل من ينادي بالاسلام المحمدي الأصيل لأنها ترى في ذلك زلزال لسلطانها ونظامها فتمد يد المكر والخديعة لأشد الناس عدواة للمسلمين والمؤمنين وهم اليهود لذبح أبناء دينهم وجلدتهم وتقطيع رؤوسهم وسبي نسائهم وأغتصاب أعراضهم وحرق بلدانهم وتدمير أمنهم واستقرارهم وتعايشهم السلمي ولم يسلم من ظلمهم وأجرامهم لا البشر ولا الحجر .
صراع الحق والباطل والعدالة والظلم وإرادة الشعوب وطغيان الحكام متواصل منذ قيام السقيفة وحتى يومنا هذا بنفاق وتأمر وخديعة وخيانة وإجرام ورذيلة يتوارثونها نسل عن نسل من اباء الى أنباء ومن أجداد الى أحفاد فهم يعون جيداً أن “الملك عقيم” كما قاله الطاغية العباسي “هارون الرشيد” لولديه الأمين والمأمون.
اليوم تكالب حشود الزمر الانحرافية التكفيرية الوهابية والسلفية بكل أشكالها وأطيافها من وعاظ سلاطينها وحتى نوابها في البرلمانات الخليجية وكتابها وساستها، يجمعوا حشودهم وحطبهم ليصبوا نار حقدهم الدفين على أهل البيت (ع) وشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم من العراق وحتى الجزائر ومن سوريا حتى اليمن الذي أوصى به رسول الله (ص) خيراً، فيحرقوا ويهدموا كل مسجد وحسينية ومقام يحمل أسم أهل البيت (ع) أو يذكر فيها أسمهم ومناقبهم، كما فعلها أجدادهم بباب بيت فاطمة الزهراء (ع) وبعد أيام قلائل من “رزية الخميس” آه من “رزية الخميس”.
فاطمة الزهراء (ع) أرادت ببكائها على أبيها في تلك الأيام، أن تشد المسلمين آذناك للنبي (ص) ونهجه القويم،وإعادة الأمة لمسارها الروحي التي كانت عليه زمن النبي(ص) وهو ما يتجسد اليوم عبر بكاء ونحيب وعويل النساء والأمهات الثكالى واليتامى الذين فقدوا آبائهم وأخوانهم وأخواتهم وأبنائهم وأزواجهم وزوجاتهم في كل بقعة من بقاع المسلمين ببترودولار السعودية وأخواتها، وسطوة ماكنتهم العسكرية في البحرين واليمن وعبث وأجرام مجموعاتهم المسلحة في العراق وسوريا، ذنب الأمة أنها مصرة على مطالبها السلمية في التغيير من النهج الديكتاتوري نحو الحرية والعدالة والمساواة التي أوصى بها الاسلام وجاء بها الرسول محمد (ص) برسالته الخاتمة .