فاطمة الزهراء(عليها السلام) سيدة نساء العالمين
بقلم : عبود مزهر الكرخي
من البديهي والمعلوم ان هناك بعض النساء لها المقام الجليل والرفيع عند الله سبحانه وتعالى لأنه قد اكرم مثل هذه النوعية من النساء فزوجة ابراهيم(ع)كانت تتكلم مع الملائكة من شدة تقواها وايمانها، ومريم العذراء(ع)كانت تتحدث معها الملائكة وتتنزل عليها مائد الطعام من الجنة وهذا مصداق لقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه حيث يقول {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(1).
ولو راجعنا سيرة سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(ع)لوجدنا أن هذه المرأة العظيمة والسامية فقد كانت ترزق بطعام من اطعمة الجنان تتنزل عليها كما حصل ذلك لمريم وتخدمها الملائكة في بيتها حتى ان الطاحونة كانت تدور لوحدها عندما كانت تخبز وتعمل في البيت. وعن زينب بنت علي(عليهما السلام)، قالت : صلى رسول الله (ص) صلاة الفجر ، ثم أقبل بوجهه الكريم على علي عليه السلام ، فقال : « هل عندكم طعام ؟ » فقال : « لم آكل منذ ثلاثة أيام طعاما ، وما تركت في منزلي طعاما ».
قال : « امض بنا إلى فاطمة » فدخلا عليها وهي تتلوى من الجوع ، وابناها معها ، فقال : « يا فاطمة ، فداك أبوك ، هل عندك طعام ؟ » فاستحيت فقالت : « نعم » فقامت وصلت ؛ ثم سمعت حسا فالتفتت فإذا بصحفة ملآى ثريدا ولحما ، فاحتملتها فجاءت بها ووضعتها بين يدي رسول الله (ص) ، فجمع عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجعل علي يطيل النظر إلى فاطمة ، ويتعجب، ويقول:« خرجت من عندها وليس عندها طعام ، فمن أين هذا ؟ »
ثم أقبل عليها فقال : « يا بنت رسول الله ، ( أنى (2) لك هـذا ؟ ) ».
قالت :{ هو من عند اللـه إن اللـه يرزق من يشاء بغير حسابٍ }(3).
فضحك النبي (ص) وقال: «الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريا ومريم إذ قال لها : ( أنى لك هـذا قالت هو من عند اللـه إن اللـه يرزق من يشاء بغير حسابٍ ) »(4).
ولهذا فان الحكمة البالغة لله جل وعلا في خلق فاطمة الزهراء(ع)كانت مشيئة ربانية وحاشا لله ان يفعل شيئاً عبثاً وهذه الحكمة هي التي أختص بها بنت حبيبه رسول فاطمة بهذه المزايا دون سائر النساء جميعاً، ومن ضمنهم ربائب رسول الله وزوجاته وباقي بنات المهاجرين والأنصار وزوجاتهن، وهذا الأمر يفسر على أنه لمصلحة أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل بين الأمة الإسلامية مَن تَفوق درجةً على مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها أي جميع نساء زمانها .
” ولأمر خلق اللـه فاطمة عليها السلام من ثمر الجنة. وهذا الأمر لم يرافق باقي أولاد رسول الله(ص) فالحكمة الإلهية لانعرف عنها أي شيء ولكن نفقه أنه كان في خلق فاطمة هو من اجل ان تضاهي الأمة الإسلامية باقي الأمم السابقة من الأولين والآخرين، فإذا كانت مريم(ع) سيدة نساء عالمها في أمة عيسى، فمن البديهي والمنطقي أن تكون فاطمة الزهراء(ع) سيدة نساء العالمين في الرسول الأعظم محمد(ص)أجل ، لانعرف أكان ذلك من أجل ذلك ، أم كان لأن العرب مثل سائر الأمم ، كانوا يبالغون في النيل من المرأة . والحط من شأنها حتى جعلوها حيواناً خلق على صورتهم ليخدمهم وليقضي حوائجهم الجنسية ، فأراد اللـه ان يقتلع هذا المفهوم الخاطئ المخالف للواقع عن أفكارهم وينقذ البشرية من آثاره السيئة فجعل للنساء سيدة يفتخرن بها ويتطاولن على الذكور ؟
أم كان ذلك لأن اللـه تعالى أراد ان يجعل لهذه الأمة أئمة يهدون بأمره ويرشدون إلى سبيله ، فقدر كونهم من خير سلالة ، وأفضل ذريّة ، من النبي خاتم الأنبياء والوصي سيد الأوصياء ، فخلق فاطمة (ع) لتكون الصلة الرابطة بين نور الجانبين ؟ نور النبي ونور الوصي ؟!
كل ذلك ممكن . ولكن الأمر الذي يطمئن إليه الباحث بعد مطالعة دقيقة لجميع جوانب حياة فاطمة الزهراء عليها السلام ، هو أنَّ اللـه تعالى كما أراد أن يجعل للأمة قادة من الذكور ، شاء أن يخلق لها قدوة من الإناث ، لكي لايبقى للنساء مجال للعذر عن التمسك بتعاليم الإسلام ومُثله وَقيِمه بصورة مجتمعة ، بحجة أن الذين تمسكوا بكل ما في الإسلام إنما كانوا من الرجال وليس من النساء ، وأن قوى الرجل ومواهبه وكفاءاته أكبر من المرأة .
لقد تلطف اللـه سبحانه في دعوة عباده إلى نفسه ، حتى لم يُبق عذراً لمعتذر ، ولا حجة لمن يريد التبرير . فجعل للنساء أسوة تشاركهن في المسؤوليات العامّة ، كالشؤون المنزلية ، مثل الحمْل والوضع والتربية . والأعمال البيتية من طبخ وتنظيف ، والوظائف الشرعية ، مثل الحجاب وإطاعة الزوج ، وقلّة الحظ في الميراث والشهادة ، وما إلى ذلك ..
ان ما تختص به المرأة من المسؤوليات الفطرية أو غير الفطرية ، قد تصبح عند البعض داعيا إلى انسحابها من ميادين العمل الديني والتواني عن بعض التكاليف الشرعية. ولكن اللـه حيث جعل فاطمة (ع) مثالاً لكل الفضائل والقيم ، مع ما كانت عليها من المسؤوليات الخطيرة في تلك الظروف العصيبة ، لعله أراد – سبحانه – قطع حجة أية امرأة تبرر تقاعسها عن واجباتها أنها من الجنس الضعيف .
فما حكمة خلق فاطمة عليها السلام بهذه الكيفية ، إلاّ كحكمة خلق الأنبياء والأوصياء ، بما فيهم رسول الإسلام محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) والأئمة المعصومين عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، خلقهم بتلك الكيفية مفضلين على سائر الناس درجات ، ومخصوصين بمواهب وكفاءات .
فليست حكمة عصمة الأنبياء والأوصياء وتفضيلهم ، إلاّ أنهم أسوة وقدوة للناس ، وأنّ على الخلق اتِّباعهم واتخاذهم مثالاً لحياتهم . وكذلك حكمة خلق فاطمة عليها السلام من بين النساء . وإذا كان النبيّون والأوصياء سادة الخلق ، فإن فاطمة (ع) سيدة نساء العالمين “(5).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [آل عمران : 37].
2 ـ أي : من أين.
2- [ ل عمران / الآية : ۳۷ ].
4 ـ الخرائج والجرائح ۲ : ٥۲۸ ، مناقب ابن شهراشوب ۲ : ۳۳9 ، قطعة منه ، مقتل الخوارزمي : ٥۸ ، فرائد السمطين ۲ : ٥۱ ، نحوه.
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة. أعداد : دار المعارف الإسلامية الثقافية. الإعداد الإلكتروني : شبكة المعارف الإسلامية_www.almaaref.org. الطبعة الأولى. 2018م- 1438هـ.