شاء الله عزَّ وَ جلَّ أن تكون السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله فريدة في سجاياها و مناقبها و خصائصها و أدوارها و حتى في ظُلامتها، فأصبحت عليها السلام متميزة في كل شيء، فاجتباها ربها لأن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين.
و تبعاً لهذا الإجتباء و الإصطفاء نرى أن أباها المصطفى صلى الله عليه و آله قد أولاها من التقدير و الاحترام و الاهتمام ما لم يولِ أحداً سواها و سوى زوجها علي بن أبي طالب عليه السلام، كل ذلك بتدبير رباني و حكمة إلآهية ليُعرف قدرها و منزلتها الفريدة، و لكي لا ينافسها أحدٌ في ما خصَّها الله تعالى.
إن من مصاديق الاهتمام الخاص الذي كان يتكرر من جانب النبي المصطفى صلى الله عليه و آله تجاه إبنته فاطمة الزهراء عليها السلام و بصورة مستمرة و على مرأى و مسمع من الصحابة و أمهات المؤمنين هو مناداتها بكنيةٍ تسترعي الانتباه الخاص ألا و هي “أمّ أبيها”.
ذكر الأربلي في كشف الغمة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يعظم شأنها (أي فاطمة) و يرفع مكانها، و كان يكنيها بأم ابيها 1.
لا شك أن هذه الكنية تحمل في طياتها دلالات ظريفة و عميقة في نفس الوقت، و لعل هناك أكثر من سبب وراء تكنية الزهراء بهذه الكنية.
أن الزهراء صلوات الله عليها كانت ترعى رسول الله صلى الله عليه و آله رعاية متميزة كرعاية الأم لولدها، فكانت لرسول الله بمثابة الأم الرحيمة و العطوفة التي تغدق عليه حنانها و محبتها، بل كانت له أكثر حناناً و عطفاً و شفقة من الأم.
لعل النبي صلى الله عليه و آله أراد بتكنيته لها بهذه الكنية أن يظهر تقديره و حبه و حنانه تجاهها بإظهار المحبة لها على مستوى محبته صلى الله عليه و آله لأمه البارة الحنونة السيّدة آمنة بنت وهب رضوان الله عليها ليعرف الجميع بأن إبنته الزهراء هي موضع دلاله و تقديره و حبه و حنانه على هذا المستوى الرفيع.
و لعل السبب الأهم في تكنيتها بأم أبيها هو إظهار أفضلية الزهراء عليها السلام على نساء النبي صلى الله عليه و آله و أمهات المؤمنين، حيث أن نساء النبي هن بمثابة الأمهات بالنسبة للمؤمنين، إذ يقول الله عزَّ وَ جلَّ: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ … ﴾ 2 ، فأراد رسول الله صلى الله عليه و آله أن يُبيِّن أن إبنته فاطمة الزهراء عليها السلام أرفع شأناً و منزلة من أزواجه أمهات المؤمنين، فهن رغم ما لهن من المنزلة و الاحترام بإعتبار كونهن زوجات النبي و أمهات المؤمنين، إلا أن فاطمة الزهراء أعلا شأناً منها لأنها أم النبي محمد و هو أشرف الخلق و أفضلهم جميعاً بما فيهم المؤمنين و المؤمنات بل الأنبياء و المرسلين، فأين هذه الفضيلة من تلك.