عند الحديث عن الزهراء لا بد لنا أن نستحضر أن هناك تغييباً، وتنكراً لهذه القامة الإسلامية والمثل الأعلى ليس للنساء فقط وإنما للرجال أيضا، فقد تكلمت حين سكت الرجال ، الأستاذ حمود الاهنومي صاحب منهجية علمية في مؤلفاته وعندما يكتب يبرر لبحثه حتى يقنع القارئ بأهمية المؤلف، وبحق فتسليط الضوء على الزهراء وما تمثله في الفكر الإسلامي وعلى مستوى المنظومة القيمة للمرأة المسلمة تمثل صمام أمان، المؤلف يستعرض جهاد الزهراء منذ كانت طفلة تنافح عن أبيها من إيذاء كفار قريش عبر الروايات وتمحيصها وشرحها والتعليق عليها ، كما تطرق إلى التسمية وتعدد الألقاب يدل على عظم المسمى، فهي الزهراء والبتول وسيدة نساء العالمين، وهي أم أبيها، وهي الطاهرة والزكية والرضية والمرضية ، والصديقة .
كما تطرق إلى ما ورد في القرآن من آيات تحدثت عنها كونها تمثل المرأة المسلمة التي تلتزم بتعاليم الإسلام وتعبر عنه ابنة وأختا وزوجة وأما ، وهذه التمثيلات للمرأة تعبر عنها الزهراء خير تمثيل، فهي خير ابنة وصل بها البر بأبيها أن يصفها الرسول بأم أبيها ، وما تلك الأوسمة التي خصها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من باب تأكيده على أنها فعلا تستحق أن يقول عنها فاطمة بضعة مني فمن أرضاها فقد أرضاني …إلى آخر الحديث ، وما استعداده عليه أفضل الصلاة والتسليم وعلى آله للمباهلة لنصارى نجران بها وبزوجها وأبنائها إلا دليل ناصع أن هذه الأسرة تستحق هذا الإجلال والتخليد في كتاب الله ، كون هذه الأسرة تولى الله سبحانه وتعالى تطهيرها والعناية بها وهذا من باب التكريم من الله ، وهذا التكريم عانت منه هذه الأسرة أشد المعاناة بل والظلم من أبناء هذه الأمة التي ابتليت بالحسد لهذه الأسرة كما ابتلي إخوة يوسف بالحسد لأخيهم ،ولهذا أكد الله تعالى في آية المودة على ضرورة المودة لأنها تنفي الحسد والبغض الذي أكد عليه الرسول أيضا في سخطه لمن أسخط الزهراء ، كما يؤكد الله سبحانه وتعالى على سلوك هذا البيت المسلم الذي يؤثر الفقراء من المساكين والأيتام والأسرى، كما حكى الله عنهم في سورة الإنسان ، وهذه السلوكيات تدل على القيم الاقتصادية التي يتسم بها هذا البيت وما يجب أن يكون عليه البيت المسلم .
كما استعرض المؤلف علم الزهراء، ولا عجب، فهي ابنة رسول الله نزل الوحي وهي في سن التعلم ولا شك أنها كانت تعي كل ما كان ينزل على أبيها ، ولولا أنها كانت طفلة عند بعثة أبيها لكانت بعد أمها أول من اسلم ، ولعل تلك الروايات التي دلت على دفاعها عن أبيها ضد إيذاء كفار قريش دليل على إيمانها وأنها وعت والإسلام يعشعش في بيت أبيها ، وعانت اليتم مبكرا بعد وفاة أمها خديجة رضي الله عنها وأرضاها ، ولعل كل هذا الزخم التربوي والعظمة التي حظيت به الزهراء له شأن بتربيتها من أمها العظيمة التي احتضنت الإسلام ودعمت وواست الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفسها وبمالها .
كما تكلم المؤلف عن الزهراء زوجة ، وزوجة لمن وكيف كان الاختيار والتزويج ، أليس بأمر الله كما عبر عن ذلك رسول الله وقد ذكر المؤلف الروايات التي تدل على ذلك ومحصها ، والزهراء عانت من شظف العيش وتولت أعمال البيت في ظروف صعبة اختبارا من الله لها لتكون أسوة للنساء، كما يدل قيامها بمسؤولية بيتها وعدم تكليف زوجها ما لا يطيق أن هناك من الألفة والاعتراف بفضل زوجها الذي زوجها أبوها إياه بأمر الله وليس نزولا عند رغبة أحد من البشر ،ولهذا نراها تقول لزوجها في مرض موتها ” يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني ، فقال : معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله ، من أن أوبخك بمخالفتي ” ويصفها بعد موتها بقوله: والله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ، ولقد كنت أنظر إليها فتكشف عني الهموم والأحزان ” وهذه الرواية كفيلة بأن تضع للأسرة المسلمة المداميك والأسس التي يجب أن تبنى عليها .
كما استعرض المؤلف مكانة وجهود الزهراء التربوية من خلال تربيتها لسيدي شباب أهل الجنة، فكل تلك الملامح البطولية والمآثر العلمية والأخلاقية، كل ذلك من جهود الزهراء التي كانت تتباهى بولدها، كما ذكر المؤلف في رواية في مسند أحمد والزهراء تقفز الحسن ابنها وتقول :
بأبي شبه النبي
لست شبيهاً بعلي
وهذا يدل على مدى فخرها بولدها وأنها تتفرس في ولدها الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله ، وكانت تعلمهم ما سمعته من جدهم في حياته وبعد مماته وقد اصطحبت ابنتها زينب عند إلقائها لخطبتها أمام نساء المهاجرين والأنصار .
والمؤلف يستحق الإشادة والتزكية لمؤلفه من السيد عبد الملك الحوثي في كلمته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة .