مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
الولاية التكوينية للزهراء عليها السلام / مؤسسة السبطين العالمية
+ = -

الولاية التكوينية للزهراء(هليها السلام)

الولاية التكوينية لفاطمة عليها السلام بعد أن ثبت لدينا إمكان وقوع الولاية التكوينية لكثير من الأنبياء عليهم السلام من خلال القرآن الكريم ، نجد أيضا وقوع هذه الولاية من خلال استقرائنا لكثير من الروايات والحوادث التاريخية التي قدمت لنا الكثير من النماذج الخارقة للعادة والتي صدرت من أئمة أهل البيت عليهم السلام ويكفي في الدلالة على ذلك بعد ثبوت هذه الولاية من خلال القرآن الكريم . أقول : يكفي ما ورد في متن الزيارة الجامعة الكبيرة التي أثبتت الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السلام ، وذلك من خلال التدقيق في مدلولاتها بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم ينفس الهم ويكشف الضر وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته على أن هذه الولاية التكوينية كانت ثابتة لأئمة أهل البيت عليهم السلام من خلال اسم الله الأعظم الذي كان عندهم وفي بيان ذلك نقول : قد تقدم في بداية البحث كيف أن آصف بن برخيا الذي كان وزيرا لسليمان عنده علما من الكتاب وكان عنده أيضا اسم الله الأعظم على ما قيل واستطاع من خلال ذلك التصرف في التكوينات حتى بعرش ملكة سبأ في أقل من طرفت عين ، فإذا كان هذا ثابت لوزير نبي الله سليمان فما ظنك بأهل البيت عليهم السلام الذين هم أفضل من جميع الأنبياء ما خلا نبينا محمد صلي الله عليه و آله وسلم فإنهم أفضل وأعظم في هذه الولاية وتوجد عدة أدلة على ذلك ، فإن أصف برخيا ، استخدم ولايته بما عنده من اسم الله الأعظم بينما عندنا أحاديث مأثورة وشواهد تدل على أن أهل البيت عليهم السلام كان عندهم اسم الله الأعظم وخصوصا أن الأحرف التي عندهم من اسم الله الأعظم أكثر من الأحرف التي كانت عند آصف بن برخيا ، فلقد ورد في الحديث الشريف عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت ، أسرع من طرقة عين ، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف واحد عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وأيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل جعل اسمه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فأعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفا وأعطى نوحا منها خمسة عشر حرفا وأعطى منها إبراهيم ثمانية أحرف وأعطى موسى منها أربعة أحرف وأعطى عيسى منها حرفين وكان يحيي بهما الموتى ويبرئ بهما الأكمة والأبرص وأعطى محمد صلى الله عليه وآله وسلم اثنين وسبعين حرفا واحتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما نفس العباد .
يظهر من الحديثين أن اسم الله الأعظم أنه قد استفاد منه الأنبياء عليهم السلام في استخدام ولايتهم التكوينية لأعمال المعجزات والكرامات وقضاء حاجات الناس وحسب ما ترتضيه المشيئة الإلهية وعلى هذا الأساس نفهم أن محمدا صلي الله عليه و آله وسلم وأهل بيته الأطهار مما استأثرهم به الله تعالى هو إعطاءهم اسمه الأعظم وبقابلية أكبر وأكثر من الأنبياء السابقين وأوصيائهم . إذن الرسول الأعظم محمد صلي الله عليه و آله وسلم وأهل بيته كانت لديهم هذه الولاية التكوينية ويستخدمونها بما عندهم من اسم الله الأعظم وبما فيهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام باعتبارها أم الأئمة ووعاء الإمامة وأم أبيها وكونها حجة الله الكبرى على الأنبياء والأوصياء من أبناءها عليهم السلام وسيأتينا كيفية أعمال فاطمة لهذه الولاية والشواهد عليها من خلال الأحاديث الشريفة . الولاية التكوينية إنما يكون بإذن الله تعالى هذه بعض الأحاديث المأثورة تبين إن إعمال الولاية التكوينية إنما يكون بإذن الله تعالى ، وأنها وقعت لأهل بيت النبوة هذه الولاية واستخدموها كما يظهر ذلك من الأحاديث الآتية :
عن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام وقلت لها : أنتما ورثة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم. قال نعم . قلت : فرسول الله وارث الأنبياء علم كلما علموا ؟ فقال لي : نعم . فقلت : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمة والأبرص فقال لي : نعم بإذن الله ثم قال : ادن مني يا أبا محمد فمسح يده على عيني ووجهي وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شئ في الدار . قال : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا . قلت : أعود كما كنت قال فمسح عيني فعدت كما كنت . قال علي : فحدثت به ابن أبي عمير . فقال : أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق .
عن محمد بن الفضل عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال : قلت له أسألك فداك عن ثلاث خصال أنفي عني فيه التقية قال : فقال ذلك لك ، قلت : أسألك عن فلان بن فلان قال : فعليها لعنة الله بلعناته كلها ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم قلت الأئمة يحيون الموتى ويبرؤون الأكمة والأبرص ويمشون على الماء قال : ما أعطى الله نبيا شيئا قط إلا وقد أعطاه محمدا صلي الله عليه و آله و سلموأعطاه ما لم يكن عندهم . قلت : وكل ما كان عند رسول الله صلي الله عليه و آله وسلمفقد أعطاه أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال : نعم ثم الحسن والحسين عليهم السلام ثم بعد كل إمام إماما إلى يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في كل سنة وفي كل شهر ثم قال : أي والله في كل ساعة.
عن علي بن معيد يرفعه قال : دخلت حبابة الوالبية على أبي جعفر عليه السلام محمد بن علي عليه السلام قال : يا حبابة ما الذي أبطأك ، قالت : قلت : بياض عرض لي في مفرق رأسي كثرت له همومي ، فقال : يا حبابة ادنيني به قال : فدنوت منه فوضع يده في مفرق رأسي ، ثم قال : ائتوا لها بالمرأة فأتيت فنظرت فإذا شعر مفرق رأسي قد اسود فسررت بذلك وسر أبو جعفر عليه السلام بسروري .
عن علي ابن أبي حمزة عن أبي بصير قال حججت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما كنا في الطواف قلت له : جعلت فداك يا بن رسول الله يغفر الله الخلق ؟ فقال : يا أبا بصير إن أكثر من ترى قردة وخنازير ، قال : قلت له أرنيهم قال : فتكلم بكلمات ثم أمر يده إلى بصري فرأيتهم قردة وخنازير فهالني ذلك ثم أمر يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرة الأولى ثم قال : يا أبا محمد أنتم في الجنة تحبرون وبين إطباق النار تطلبون فلا توجدون والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا واحد .
عن أبي بصير قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام تريد أن تنظر بعينك إلى السماء . قلت نعم فمسح يده على عيني فنظرت إلى السماء .
عن أبي عوف عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دخلت عليه فألطفني وقال إن رجلا مكفوف البصر أتى النبي صلي الله عليه و آله وسلم فقال يا رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم ادع الله أن يرد علي بصري فدعا الله له فرد عليه بصره ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ادع الله لي أن يرد علي بصري قال فقال الجنة أحب إليك أم أن يرد عليك بصرك قال يا رسول الله وأن ثوابها الجنة فقال إن الله أكرم من أن يبتلي عبده المؤمن بذهاب بصره لا يثيبه الجنة .
عن جميل بن دراج قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه امرأة فذكرت أنها تركت ابنها بالملحفة على وجهه ميتا قال لها : لعله لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك واغتسلي وصلي ركعتين وادعي وقولي يا من وهبه لي ولم يك شيئا جدد لي هبته ثم حركيه ولا تخبري بذلك أحدا قال ففعلت فجائت فحركته فإذا هو قد بكى . حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن المغيرة قال مر العبد الصالح عليه السلام بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون وقد ماتت بقرة لها فدنا منها ثم قال لها ما يبكيك يا أمة الله قالت يا عبد الله إن لي صبيانا أيتاما فكانت لي بقرة معيشتي ومعيشة صبياني كان منها فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي ولا حيلة لنا فقال لها يا أمة الله هل لك أن أحييها لك قالت فألهمت أن قالت نعم يا عبد الله قال فتنحي يا حية فصلى ركعتين ثم رفع يديه يمينه وحرك شفتيه ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا أو ضربها برجله فاستوت على الأرض قائمة فلما نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت صاحب عيسى بن مريم ورب الكعبة قال فخالط الناس وصار بينهم ومضى عليه السلام وعلى آبائه الطاهرين .
يظهر من هذه الأحاديث المأثورة إن أهل البيت عليهم السلام كانوا يعملون الولاية التكوينية بما أعطاهم من علمه وبإذنه تعالى ، وذلك لكونهم ورثوا علوم جميع الأنبياء ، بل إن الذي عندهم أفضل وأعلى رتبة ودرجة في العلم الرباني ، وعلى هذا الأساس فإن الولاية التكوينية لهم ثابتة ولا ينكرها إلا معاند أوليس له حظ من العلم إلا قليلا ، فهم عليهم السلام تارة يستخدمون هذه الولاية عن طريق اسم الله الأعظم فيتصرفون في التكوينات وتارة من خلال ما عندهم من العلوم الربانية التي ورثوها من الأنبياء والأوصياء السابقين بل من الذي ورثوه من جدهم رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم لذا نرى في الزيارات الواردة في حقهم هذه العبارات الواضحة البيان بل هي مطلقة في كل شئ يرثونه من الأنبياء حيث تقول هذه الزيارات السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله تعالى ، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله السلام عليك يا وارث موسى كليم الله السلام عليك يا وارث عيسى روح الله . . .
فدلالة قوله عليه السلام يا وارث أي مطلق الوراثة سواء المادية أو المعنوية ، إذن فهم ورثة الأنبياء في كل ما أعطاهم الله تبارك وتعالى .
وأيضا استخدم أهل البيت عليه السلام الولاية التكوينية من خلال كرامات ومعجزات بل ازدادوا عليهم بأنهم ورثوا كل ما عند نبي عن الآخر زيادة ، وهكذا الحال في كل أهل البيت الذي عصمهم وأمنهم الله من الزلل ، ومن هنا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام عندها الولاية التكوينية حيث ثبتت لها من خلال عدة أمور منها : * إنها حليلة سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي عليه السلام فهي كفؤ له وهو كفو لها وهذا يقتضي كونها عندها من المقامات ما لأمير المؤمنين علي عليه السلام إلا ما خصه الله تعالى من الولاية التي يتصدى بها لخلافة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم، ومن المعلوم أن أمير المؤمنين عنده هذه الولاية أعني الولاية التكوينية وقد أعطت الكثير من الكتب الشواهد العديدة على هذه القضية ويكفي شاهد على ذلك في قضية رده الشمس ، وهل هذا إلا تصرف تكويني من خلال اسم الله الأعظم ، وعليه المقام ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام. * إنها حجة الله الكبرى على الخلق بما فيهم الأنبياء والأوصياء ويدل على ذلك الحديث المروي نصه : ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، فإذا كانت النبوة لا تكتمل لنبي من الأنبياء حتى يقر بفضلها ومحبتها ، فمن باب الأولوية إن كل مقام من المقامات المعنوية والمادية التي كانت ثابتة للأنبياء كانت ثابته أيضا للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام إلا ما خرج بالدليل مثل النبوة الخاصة بكل نبي ، وأيضا بينا في حديث نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة عليها السلام حجة الله علينا قضية أنها حجة الله الكبرى فما كان ثابت للأئمة من الولاية التكوينية فهو ثابت لها عليها السلام ، هذه بعض الأدلة بصورة إجمالية ولو كان لنا تقصي المسألة لاحتجنا إلى كتاب خاص في هذه المسألة ، وأعطى لك شاهدين على ثبوت الولاية التكوينية لفاطمة عليها السلام وأترك لك مراجعة المطولات في هذه القضية . . .
عن أبي عبد الله عليها السلام عن سلمان الفارسي : أنه استخرج أمير المؤمنين من منزله ، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر ، فقالت : خلوا عن ابن عمي ، فوالذي بعث محمدا بالحق لئن تخلوا عنه لا نشرن شعري ولا ضعن قميص رسول الله صلي الله عليه وآله و سلمعلى رأسي ولا صرخن إلى الله ، فما ناقة صالح بأكرم على الله من والدي . قال سليمان : فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها ، حتى لو أراد وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها ، فدخلت في خياشيمنا .
وفي مشارق أنوار اليقين ص 86 مثل هذا الحديث ولكن باختلاف وهو : ثم رفعت جنب قناعها إلى السماء ، وهمت أن تدعو فارتفعت جدران المسجد عن الأرض وتدل العذاب . . . وأخيرا أختم هذا الموضوع بقول الإمام الخميني قدس سره الذي يرى ثبوت الولاية التكوينية للصديقة الطاهرة فاطمة حيث يقول ما نصه : وثبوت الولاية والحاكمية للإمام عليه السلام لا تعني تجرده عن منزلته التي هي له عند الله ، ولا تجعله مثل من عداه من الحاكم فإن للإمام مقاما محمودا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وأن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله وسلموالأئمة عليهم السلام كانوا قبل هذا العالم أنوارا فجعلهم الله بعرشه محدقين ، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله وقد قال جبرئيل ، كما ورد في روايات المعراج لو دنوت أنملة لاحترقت ، وقد ورد عنهم عليهم السلام : إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ومثل هذه المنزلة موجودة لفاطمة الزهراء عليها السلام لا بمعنى أنها خليفة أو حاكمة أو قاضية ، فهذه المنزلة شئ آخر وراء الولاية والخلافة والأمرة ، وحين نقول : إن فاطمة عليها السلام لم تكن قاضية أو حاكمة أو خليفة فليس يعني تجردها عن تلك المنزلة المقربة كما لا يعني ذلك أنها امرأة عادية من المثال ما عند