مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
معطيات فكر الزهراء (ع) للأم وربة البيت في عصرنا الحاضر (دراسة في المعاجم اللغوية)
+ = -

معطيات فكر الزهراء (ع) للأم وربة البيت في عصرنا الحاضر

(دراسة في المعاجم اللغوية)

أ.م.د.حميد سراج جابر الاسدي

جامعة البصرة / كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ

تختص الدراسة التي بين ايدينا بدراسة معطيات فكر الزهراء عليها السلام الى المرأة (الأم) و (ربة البيت) في عصرنا هذا ولكن هذه المرة في المعاجم اللغوية وليس في كل المصادر اذ تعد المعاجم من المؤلفات المختصة بالجانب اللغوي الاّ انها في الوقت نفسه كتب موسوعية للباحثين يمكن ان ينهلوا منها الكثير من المعلومات التاريخية التي قد لا توجد في المصادر الاخرى ، وقد درسنا في الاونة الاخيرة عدة موضوعات فكرية وبمختلف الجوانب في ضوء المعاجم ومن دراساتنا هذه مؤلفات (كتب) ورسائل وبحوث .

        واليوم نحاول في هذا البحث المتواضع دراسة شخصية السيدة الزهراء عليها السلام (الأم وربة البيت) من المعلومات التي وردت في المعاجم اللغوية عنها ، وقد لا نجد الكثير من المعاجم قد افادتنا في هذا الاطار بسبب جزءيته وخصوصيته الاّ اننا حصلنا على معلومات مهمة في قسم اخر من المعاجم اكملت الصورة عن الام في شخصية الزهراء عليها السلام ، ونقصد شخصية الام في اسرتها ولا نتعدى الى موضوع اخر قد لا يرتبط بموضوعنا الاساس.

        قام البحث على دراسة مواضيع عكست صورة الزهراء الام في فكر اصحاب المعاجم اللغوية ، وأول هذه المواضيع هو مسألة رعايتها عليها السلام لطفولة ابنائها وكيفية تعاملها معهم بالمستوى المادي الذي يخص ما يرتدونه ويلبسونه ، والمستوى المعنوي من توزيع العاطفة والحنان والحرص ، الى جانب المستوى التربوي والذي يعد تحصيل حاصل للمستويات الاخرى ، ولا ننسى رعايتها لمبدأ الطفولة بشكل عام بغض النظر عن الانتماء او القربة للطفل وهذا ما افصحت عنه الدراسة بمعلومات نصية عن هذه الفكرة.

        وتناول الموضوع الثاني اعمال الزهراء عليها السلام المنزلية بحسب المعلومات التي اوردتها هذه المعاجم والتي تنوعت وعكست واقع عقلية سيدة نساء العالمين البناءة ، فما ظهر وتركز من اداء الزهراء عليها السلام لكل الاعمال الشاقة في المنزل بما يحقق الاستقرار والرعاية للاسرة يمثل نقطة تحول في فكر واضعي الدساتير العالمية ، فعندما يكون الحديث عن سيدة نساء العالمين وهي التي تتحرك بنطاق تثقيفي للمجتمع سيما وانها تمثل الاسوة الحسنة.

        ومن هنا فقد صورت لنا المعاجم اللغوية تلك المرأة الأم عليها السلام وهي توفق بين التربية النفسية والجسدية للطفل ، وبين توفير الجو الملائم وذلك باداء اعمال المنزل وان كانت شاقة  او صعبة ، وكانت هذه الام عليها السلام تستطيع بمكانتها وجاهها ان تتخير كما تريد ، بيد انها لم تكن بهذه المكانة الاّ بهذا السمو الاخلاقي وبنفس الايثار الذي يستنتجه القارئ حالما يمر على سيرة الزهراء عليها السلام العطرة.

        ولعل من ابرز الاعمال المنزلية التي اشارت لها المعاجم اللغوية هي قيامها بتنظيف بيتها وكنسه بنص ذكر المعاجم حتى تغبر ثيابها ، كما انها تقوم بالطبخ وبالوسائل التي تتناسب مع امكانياتهم انذاك حتى تصبح تصطبغ ملابسها من اثر دخان الطبخ ، لكنها في النهاية تعد الطعام الذي يتلائم مع طبيعة حياة الرسول صلى الله عليه واله والائمة عليهم السلام.

        ودرس البحث النصوص الخاصة بالاثر المادي الذي طرأ على الزهراء الام عليها السلام بسبب المشقة والتعب الناجمين من نوعية الاعمال التي تؤديها لاكمال متطلبات حياة الاسرة الكريمة وكيف تأثر الامام علي عليه السلام عليها واجراءاته في ذلك.

        وعلى العموم فقد صورت المعاجم اللغوية صورة الام في حياة الزهراء بما نقلته لنا من روايات عدت المصدر الاساس في بيان الفكرة ، فيما تم الاعتماد على مصادر اخرى لتأكيد فكرة المعاجم او رفضها.

        نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى وان يضع هذه الدروس بين يدي امهاتنا وبناتنا لتكون الزهراء عليها السلام القدوة التي تحقق البناء الصالح للمجتمع المثقف ، وما توفيقي الاّ بالله عليه توكلت واليه انيب.  

اولا” : رعاية الزهراء(ع) للطفولة

من المعلوم ان مكانة الزهراء عليها السلام  وعالميتها لا تعني بأي حال من الاحوال انعزاليتها وخصوصيتها بالنسبة للأسرة والمجتمع ، كما قد يفهم بحسب المنطق السائد اليوم ، انما هذه المكانة والعالمية جاءت اساسا” من شخصيتها واندماجها بالاسرة والمجتمع فكانت مثال المطبق لاحكام الشريعة ، بل اصبحت القدوة في بناء الاسر الكريمة التي تخدم المجتمع ، لذا فقد اورد ارباب المعاجم الكثير من النصوص التي ترسم صورة الزهراء عليها السلام الام في البيت والمحافظة على الكيان الاسري ، ومن هنا جاءت هذه النصوص لتحدد فلسفة واسلوب رعاية الابناء وكيفية اعدادهم للمجتمع ليكونوا قادة في مجتمعهم.

        ان استقراء المعلومات التي جاءت بها المعاجم عن كيفية رعايتها عليها السلام لابناءها يضعنا في صورة دستور محمدي في التربية فقد نقلت المعاجم كيفية ملاعبة الزهراء عليها السلام لهم واعطائهم حق الطفولة لأن فعل الزهراء عليها السلام يمثل درس من الدروس فهو فعل خاص باسرتها ولكنه عام بحساب موضوع القدوة الحسنة ، ومما اوردته المعاجم في هذا الاطار ان الزهراء عليها السلام كانت تزفن للحسن أي ترقصه ، وأصل الزفن اللعب والدفع[1] ، وبالتأكيد فأن هذا الفعل يوحي بامور:

  • 1- ان الزهراء عليها السلام كانت تمثل عاطفة الامومة في هذا المقام والتي هي جزء اساس في منطق التربية سيما وانها باب الحنان الذي يعول عليه ارباب التربية وعلم النفس كثيرا” في خلق مجتمع صالح.

  • 2- كما اسلفنا ان الدرس حاضر بشكل جلي في اكثر من اتجاه:

الاتجاه  الاول: هو ان المكانة والجاه لا يمثلان تحصين عن القيام بالواجبات الخاصة .

 الاتجاه الثاني: هو ان مراحل حياة وطفولة الائمة قد مرت بشكلها الطبيعي من حيث التربية النبوية وما شاكل ، ورأينا ذلك في طفولة الامام الحسن عليه السلام.

وبجانب اخر وكتأكيد على رعاية الزهراء عليها السلام لاطفالها نجدها تحرص على تزيينهم بما يتوافق مع الشرع اولا” والطفولة ثانيا” اذ اوردت المعاجم ان الزهراء عليها السلام (حلّت) الحسن والحسين ، عليهما السلام ، بقلبين من فضة ، والقلب هو السوار ..[2]

        وبغض النظر عن الجانب الفقهي في مسألة التزين بالفضة بالنسبة للاطفال والذي دار حوله النقاش عند الفقهاء سيما وان بعضهم اتخذ هذه الرواية اساس في المحاججة[3] ، بيد ان ما يعنينا هو كسر ذلك التصور السلبي في دراسة حياة الائمة عليهم السلام بشكل يبعدهم بابعاد سيرتهم عن المجتمع الذي يحتاج الى مربين مثل ائمة اهل البيت عليهم السلام .

        واوردت المعاجم رواية اخرى عن تزيين الزهراء عليها السلام لابنائها ولكن هذه المرة عن الامام الحسين عليه السلام فقط اذ نقلت ان في حديث فاطمة عليها السلام (فألبسته سخابا ، يعني ابنها الحسين الخرص والسخاب ، يعني القلادة ، قال ابن الأثير : هو خيط ينظم فيه خرز ، وتلبسه الصبيان والجواري.)[4]

        وهناك ما يؤيد هذا الكلام من الناحية الشرعية بخصوص الباسهم قلادة معينة مخصوصة ، فقد ورد ذلك عن الائمة عليهم السلام[5] الاّ ان ما يهمنا مسألة الرعاية التي كانت توليها الزهراء عليها السلام لابنائها في مرحلة اعداد مبكرة ، وكانت عليها السلام تحرص على راحة ابنائها بكل الصور حتى صورت المعاجم ذلك بشكل جلي حينما اوردت ان الزهراء عليها السلام كانت تحملهم على وركها ، وقد قيل انها عليها السلام جاءت (متوركة الحسن أي حاملته على وركها ).[6] هذا على الرغم من صعوبات الظرف الذي كانت تمر به الزهراء عليها السلام وايثارها المعروف للفقراء ولعائلتها.

        وبلغ مدى الاهتمام والرعاية الاسرية التي كانت توليها الزهراء عليها السلام للحسنين عليهما السلام انها لا تطيق ابتعادهما عنها ، وكان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يقدّر هذه المسألة ، لذا فقد اوردت لنا المعاجم نقلا” عن أبي هريرة قوله (كنا عند النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في ليلة ظلماء حندس وعنده الحسن والحسين ، فسمع تولول فاطمة ، رضي الله تعالى عنهم ، وهي تناديهما : يا حسنان ، يا حسينان فقال : الحقا بأمكما ).[7]  وورد الحديث في معاجم اخرى ناقصا” ولكنه اشار الى موضع الشاهد في كلامنا هذا اذ ورد منه القول(فسمع تولولها تنادي يا حسنان ، يا حسينان. الولولة : صوت متتابع بالويل والاستغاثة)[8].

        ولعل الاشارة او وصف طلب الزهراء عليها السلام بالولولة يعكس عدة امور:

  • 1- صورة الدعوة المؤثرة الحنينة ، والمملؤة بالعاطفة والاشتياق.

  • 2- لفظ حسنان او حسينان يدل هو الاخر على ذلك الترابط الوثيق بين الام وطفليها وبينهما معا”.

  • 3- الحديث يصور خوف الزهراء عليها السلام على طفليها سيما من شدة الظلمة كما يصفها الحديث.

  • 4- موقف الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي راعى الارتباط الروحي بين الجانبين.