في حديث سليم بن قيس لما بايع الناس أبابكر و تخلف أميرالمؤمنين عليه السلام و معه بنوهاشم و جماعة من الصحابة فلم يحضروا في المسجد قال عمر لأبي بكر أرسل إلى علي عليه السلام فليبايع فانا لسنا في شي ء حتى يبايع فأرسل إليه أبوبكر أجب خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأنكر أبوالحسن عليه السلام أن يكون غيره خليفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وأعلم الرسول بذلك أبابكر فادعاه ثانياً أجب أميرالمؤمنين فقال عليه السلام: سبحان اللّه ان العهد لم يطل فينسى ألم يعلم أبوبكر ان هذا الإسم لا يصلح لغيري و لقد أمره النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو سابع سبعة أن يسلموا عليّ بامرة المؤمنين حتى استفهم هو و صاحبه عمر من بين السبعة بأن هذا من اللّه تعالى أو من رسوله فعرفهما النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه أمر من اللّه سبحانه بأن علياً أميرالمؤمنين و سيد المسلمين يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط يدخل أولياءه الجنة و أعداءه النار و لما أخبر الرسول أبابكر بذلك سكت عنه، فأصر عمر أن يبعث إليه فأرسل قنفذاً أحد بني كعب بن عدي من الطلقاء [في كتاب سليم ص 107: ان عمر غرم جميع عماله نصف أموالهم لخيانة ظهرت منهم إلا قنفذاً لم يغرمه شيئاً و هو مثلهم ورد عليه جميع ما أخذ منه و هو عشرون ألف درهم فكان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول في ذلك انه يشكر له ضرب فاطمة بالسوط حتى ماتت و في عضدها مثل الدملج.]] و معه جماعة فأتوا بيت أميرالمؤمنين فلم يأذن لهم في الدخول فرجع الجماعة و ثبت قنفذ على الباب و لما سمع عمر من الجماعة ذلك غضب و أمرهم بحمل حطب يضعوه على الباب فإن خرج أميرالمؤمنين إلى البيعة و إلا أحرقوا البيت على من فيه و وقف عمر على الباب و صاح بصوت رفيع يسمع علياً و فاطمة لتخرجنّ يا علي إلى البيعة و إلا أضرمت عليك النار
فصاحت فاطمة: ما لنا و لك فأبى أن ينصرف أو تفتح له الباب و لما رأى منهم الإمتناع أضرم النار في الحطب
[لا يرتاب من له وقوف على جوامع الحديث والسير في مجي ء عمر بالحطب ليحرق بيت فاطمة مجداً في ذلك أو مهدداً و في العقد الفريد ج 2 ص 197 ط سنة 1321 ه انه جاء بقبس و هو كما في القاموس شعلة نار مضرمة و لم يتوقف في هذا السيد المرتضى في الشافي ص 240 و قال: رواه من غير الشيعة من لا يتهم على القوم و تابعه الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي ص 415 و رواه السيد ابن طاووس في الطرائف ص 64 عن جماعة و تقدم في أحاديث الطرف لابن طاووس تصريح النبي صلّى اللّه عليه و آله به في وصيته لعلي عليه السلام بالصبر. و دفع الباب و كانت ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلفها فمانعته من الدخول فركل الباب برجله و ألصقها إلى الجدار ثم لطمها على خدها من ظاهر الخمار حتى تناثر قرطها و ضرب كفها بالسوط فندبت أباها و بكت بكاءاً عالياً يقول عمر: لما سمعت لها زفيراً عالياً كدت أن ألين و أنقلب لو لا أن أتذكر كيد محمد و ولوغ علي في دماء صناديد العرب فعصرتها ثانياً إلى الجدار فنادت: يا أبتاه هكذا يفعل بحبيبتك و استغاثت (بفضّة) جاريتها و قالت: لقد قتل ما في بطني من حمل.
و خرج أميرالمؤمنين عليه السلام فألقى عليها ملاأة فأسقطت
[البحار ج 8 ص 231 عن الجزء الثاني من دلائل الإمامة.] حملاً لستة أشهر سماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «محسناً»
[تلخيص الشافي ص 415 والبحار ج 13 ص 2058 كمبني.]] و تكاثروا عليه فوضعوا حبلاً في عنقه و أخرجوه إلى المسجد قهراً ملبياً.
[كتاب سليم ص 68 و شرح النهج ج 2 ص 5.]
قادوه قهراً بنجاد سيفه ما نقموا منه سوى ان له سابقة الإسلام والقربى معا
فكيف و هو العصب يمشي طيعا سابقة الإسلام والقربى معا سابقة الإسلام والقربى معا
نعم يقول ابن الخطاب كانت في نفس علي هناة و لولاها لما تمكن جميع من في الأرض على قهره
[البحار ج 8 ص 232 عن دلائل الإمامة.]
و لما تراءا له قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله صاح: يا ابن اُم ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلم يشعر الجمع إلا ويد خارجة من القبر المطهّر متجهة نحو أبي بكر و صوت لا يشكون انه صوت النبي صلّى اللّه عليه و آله (يا هذا أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً)
[مناقب ابن شهر آشوب ج 1 ص 410 و بصائر الدرجات للصفار ص 77.]
و قال أميرالمؤمنين: أنا أحق بهذا الأمر منكم فانكم أخذتم هذا الأمر من الأنصار بحجة القرابة من رسول اللّه و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار فأنصفونا إن كنتم تخافون اللّه واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم و إلا فبوؤا بالظلم و أنتم تعلمون فقال عمر: لست متروكاً حتى تبايع فقال عليه السلام: لا اُبايع أبداً
[شرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 5.]
ثم صاح أميرالمؤمنين بأبي بكر: ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيّكم ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عمر: دع هذا فواللّه لئن لم تبايع لنقتلنّك فقال عليه السلام: إذاً واللّه أكون عبداً للّه و أخاً لرسوله المقتول فأنكر عمر تلك الاخوة الثابتة له يوم المؤاخاة الأولى والثانية
[الإستيعاب بترجمة علي عليه السلام.] و عرفه أميرالمؤمنين لو لا الوصية من رسول اللّه بالصبر على ما يحل به والخضوع للأمر الربوبي ولو انتهكت الحرمة و عطلت السنن لعرف كيف يدخل داره و يروع حليلته فصاح عمر بأبي بكر ما جلوسك على المنبر هذا محارب لك فإما أن يبايع أو تضرب عنقه فرفع الحسنان عليهماالسلام أصواتهما بالبكاء
لما سمعا ذلك فقال لهما أميرالمؤمنين: لا تبكيا انهما لن يقدرا على قتل أبيكما و جرّد خالد سيفه و قال: يا علي بايع و إلا قتلتك فأخذ أبوالحسن بمجامع ثوبه و رفعه ثم ألقاه على قفاه
[كتاب سليم ص 200.]
و خرجت فاطمة الزهراء خلفه و معها نساء بني هاشم و هي تقول: والذي بعث محمداً بالحق نبياً لئن لم تخلوا عن ابن عمي لأنشرن شعري و أضعن قميص رسول اللّه على رأسي و أصرخنّ إلى اللّه فما صالح بأكرم على اللّه من أبي و لا الناقة بأكرم مني و لا الفصيل بأكرم من ولدي يقول سلمان الفارسي: كنت قريباً منها فرأيت واللّه أساس حيطان مسجد رسول اللّه قد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها لنفذ فدنوت منها و قلت: يا سيّدتي و مولاتي و ان اللّه تبارك و تعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني السبب في هلاك الاُمة فهدأت الصديقة عليهاالسلام و رجعت الحيطان حتى ثارت غبرة من أسفلها
[الإحتجاج للطبرسي ص 56 و في روضة الكافي للكليني ملحقة بتحف العقول ص 219: خرجت واضعة قميص رسول اللّه على رأسها تريد أن تنشر شعرها.]
الواثبين لظلم آل محمد والقائلين لفاطم آذيتنا والقاطعين اراكة كيلا تقيل و مجمعي حطب على البيت الذي والداخلين على البتولة بيتها والقائدين امامهم بنجاده خلوا ابن عمي أو لأكشف في الدعا ما كان ناقة صالح و فصيلها و رنت إلى القبر الشريف بمقلة قالت و أظفار المصاب بقلبها أبتاه هذا السامري و عجله تبعاً و مال الناس عن هارون
و محمد ملقى بلا تكفين في طول نوح دائم و حنين بظل أوراق لها و غصون لم يجتمع لولاه شمل الدين والمسقطين لها أعز جنين والطهر تدعو خلفهم برنين رأسي و أشكو للإله شجوني بالفضل عند اللّه الا دوني عبرى و قلب مكمد محزون غوثاه قل على العداة معيني تبعاً و مال الناس عن هارون تبعاً و مال الناس عن هارون
[من قصيدة للشيخ صالح الكواز الحلي رحمه اللّه.] .
و لما رجع أبوالحسن عليه السلام إلى المنزل أتاه اثنا عشر رجلاً فيهم خالد ابن سعيد بن العاص والمقداد و اُبي بن كعب و عمار بن ياسر و أبوذر و سلمان و عبداللّه بن مسعود و بريدة الأسلمي و خزيمة بن ثابت و سهل بن حنيف و أبوأيوب الأنصاري و أبوالهيثم بن التيهان.
و قالوا له اجتمع رأينا أن نأتي أبابكر فننزله عن المنبر بعد أن نستشيرك في ذلك لأن الحق حقك و أنت أولى بالأمر منه فقال لهم أميرالمؤمنين لو فعلتم ما كنتم إلا حرباً لهم و قد اتفقت عليه الاُمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها و لقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من و غر صدور القوم و بغضهم للّه عزّ و جل و لأهل بيت نبيه و انهم يطالبون بثارات الجاهلية واللّه لو فعلتم لشهروا سيوفهم مستعدّين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتى قهروني و غلبوني على نفسي و لببوني و قالوا لي بايع و إلا قتلناك فذكرت قول رسول اللّه يا علي ان القوم سينقضوا أمري و يستبدوا بها دونك و يعصوني فيك فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر و ذلك قول ربّي جل شأنه.
ولكن ائتوا الرجل و خبروه بما سمعتم من نبيكم ليكون أعظم في الحجة عليه و أبلغ في العقوبة إذا أتى ربه و عصى نبيه و خالف أمره فقاموا من عنده إلى المسجد و كان يوم جمعة و احتفوا بالمنبر و عليه أبوبكر فتكلم كل واحد من هؤلاء الاثنى عشر مع أبي بكر معرفاً ما سمعه من الرسول الأعظم في الوصية بعلي و أهل بيته و انه الخليفة من بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله على الاُمة يقيم فيهم الحلال والحرام و يزيح الشبه والأوهام و ينقذهم من هوة لضلال و ان الأمر يكون
من بعده للحسن ثم للحسين ثم للأئمة من ولد الحسين.
و لما أكثر القوم من وعظه و تعريفه الخطأ في فعلته حتى قال له ذو الشهادتين: ألست تعلم ان رسول اللّه قبل شهادتي و حدي و لم يطلب معي شاهداً آخر؟ قال أبوبكر: نعم فقال خزيمة: اشهد اني سمعت رسول اللّه يقول: أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل و هم الأئمة الذين يقتدى بهم.
فنزل أبوبكر عن المنبر و جلس في بيته ثلاثة أيام فأتاه عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و عبدالرحمن بن عوف و طلحة و سعد بن أبي وقاص و أبوعبيدة بن الجراح و معهم جماعة من عشائرهم شاهرين السيوف و أخرجوه إلى المسجد فرقى المنبر و قال قائل منهم لئن عاد أحد منكم و تكلّم بمثل ما تكلّم به لنملأن أسيافنا منه فخاف أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام و جلسوا في منازلهم
[الخصال للشيخ الصدوق ج 2 ص 67.]
و لما علم أبوسفيان ببيعة أبي بكر وقف على بيت أميرالمؤمنين عليه السلام و قال:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم فما الأمر إلا فيكم و إليكم أباحسن فاشدد بها كف حازم و أي امرء يرمي قصياً و رأيها مينع الحمى والناس من غالب قصي
و لا سيما تيم بن مرة أو عدي و ليس لها إلا أبوحسن علي فانك بالأمر الذي يرتجى ملي مينع الحمى والناس من غالب قصي مينع الحمى والناس من غالب قصي
[شرح النهج الحديدى ج 2 ص 7. .
ثم أقبل أبوسفيان إلى العباس بن عبدالمطلب و قال له: يا أباالفضل ان هؤلاء القوم قد ذهبوا بهذا الأمر من بني هاشم و جعلوه في بني تيم و انه ليحكم فينا غداً هذا الفظ الغليظ من بني عدى فقم بنا حتى ندخل على علي عليه السلام و نبايعه بالخلافة و أنت عم رسول اللّه و أنا رجل مقبول القول في قريش
فإن دافعونا عن ذلك قاتلناهم فأتيا أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له أبوسفيان: يا أباالحسن لا تغافل عن هذا الأمر متى كنا تبعاً لتيم الأراذل
[شرح نهج البلاغة لابن ميثم ص 104 ايران.]] أبسط يدك اُبايعك فواللّه إن شئت لأملأنها على أبي فصيل يعني أبابكر خيلاً و رجالاً
[تاريخ الطبري ج 3 ص 202 و شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 74.]
فزجره أميرالمؤمنين عليه السلام و قال: واللّه ما أردت بهذا إلا الفتنة و انك طالما بغيت الإسلام شراً لا حاجة لنا في نصيحتك
[كامل ابن الأثير ج 2 ص 124.]
فصاح أبوسفيان: اني لأرى عجاجة لا يطفئها إلّا دم يا آل عبدمناف قد تولى فيها أبوبكر من اُموركم فقيل له ان أبابكر ولي ابنك فقال وصلته رحم و سكت
[تاريخ الطبري ج 3 ص 202.]
و في رواية الشريف الرضي ان أميرالمؤمنين لما امتنع من موافقة أبي سفيان على البيعة قال:
أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة و عرجوا عن طريق المنافرة و ضعوا عن تيجان المفاخرة أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح هذا ماء آجن و لقمة يغص بها اكلها و مجتني الثمرة لغير وقت ايناعها كالزراع بغير أرضه فإن أقل يقولوا حرص على الملك و إن أسكت يقولوا جزع من الموت هيهات بعد اللتيا والتي واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمه بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة
[نهج البلاغة ج 1 ص 45.]
و قال عليه السلام في بعض هذه الأيام: أيتها الاُمة التي خدعت فانخدعت و عرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت و اتبعت أهواءها و ضربت في عشواء غوائها و استبان لها الحق فصدعت عنه و تنكبت الطريق الواضح، أما والذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه و شربتم الماء بعذوبته و ادخرتم الخير من موضعه و سلكتم من الحق نهجه لنهجت بكم السبل و بدت لكم الاعلام و أضاء لكم الإسلام فأكلتم رغداً و ما عال فيكم عائل و لا ظلم منكم مسلم و لا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها و سدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم و اختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين اللّه بغير علم و اتبعتم الغواة فأغوتكم و تركتم الأئمة فتركوكم فأصبحتم تحكمون بأهوائكم إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف و قد تركتموهم و نبذتموهم و خالفتموهم رويداً عما قليل تحصدون جمع ما زرعتم و تجدون و خيم ما اجترمتم و ما اجتلبتم.
والذي فلق الحبة و برأ النسمة لقد علمتم اني صاحبكم والذي به امرتم و اني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم و وصي نبيكم صلّى اللّه عليه و آله و خيرة ربكم تعالى و لسان نوركم والعالم بما يصلحكم
[هذا من خطبة له عليه السلام تعرف بالطلالوتية لذكر طالوت فيها ذكرها الشيخ الكليني في روضة الكافي ملحقة بتحف العقول ص 144 و رواها عنه المجلسي في البحار ج 8 ص 47 والفيض في الوافي ج 4 ص 10.]
ان اللّه تعالى امتحن بي عباده و قتل بيدي أضداده وافني بسيفي جاحده و جعلني زلفة للمؤمنين و حياض موت على الجبّارين و سيفاً على المجرمين و شد بي ازر رسوله و أكرمني بنصره و شرفني بعلمه و حباني بأحكامه و خصّني بوصيته واصطفاني بخلافته في اُمته فقال صلّى اللّه عليه و آله و قد حشد المهاجرين والأنصار:
أيها الناس ان علياً منى كهارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي فعقل المؤمنون عن اللّه نطق الرسول إذ عرفوني اني لست بأخيه لأبيه و اُمه كما كان
هارون أخا موسى لأبيه و اُمه و لا كنت نبياً فاقتضى نبوة ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي كما استخلف موسى هارون حيث يقول: اخلفني في قومي و لا تتّبع سبيل المفسدين.
و قوله صلّى اللّه عليه و آله حين تكلّمت طائفة و قالت نحن موالي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرج رسول اللّه (ص) إلى حجة الوداع ثم صار إلى (غدير خم) فأصلح له شبه المنبر ثم علاه و أخذ بعضدي حتى رؤي بياض ابطيه رافعاً صوته قائلاً في محفله: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه) فكانت على ولايتي ولاية اللّه و على عداوتي عداوة اللّه و أنزل اللّه في ذلك اليوم (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممتُ عليكم نعمتي و رضيتُ لكم الإسلام ديناً) فكانت ولايتي كمال الدين و رضى الرب.
ثم أنزل اللّه تعالى اختصاصاً لي و تكريماً نحلنيه و إعظاماً و تفضيلاً من رسول اللّه منحنيه و هو قوله: (ثم ردوا إلى اللّه مولاهم الحق ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين) في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الإرتفاع و طال لها الإستماع.
ثم بعد أن استعرض أحوال من تقمص الخلافة دونه و ما كانوا عليه في الجاهلية والإسلام و ما سيصيرون إليه قال: ان أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم بأن رسول اللّه مضى و لم يستخلف فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام و عن قليل يجدون غب ما يعملون و سيجد التالون غب ما أسسه الأولون.
و لئن كانوا في مندوحة من المهل وسعة من المنقلب و استدراج من الغرور فقد أمهل اللّه تعالى شداد بن عاد و ثمود بن عبود و بلعم بن باعور و أسبغ عليهم نعمه ظاهرة و باطنة و أمدهم بالأموال والأعمار و أتتهم الأرض بركاتها ليذكروا آلاء اللّه و ليعرفوا الإهابة له والإنابة إليه و لينتهوا عن الإستكبار فلما بلغوا المدة و استتموا الاكلة أخذهم اللّه فمنهم من حصب و منهم من أخذته الصيحة و منهم من أحرقته الظلمة و منهم من أودته الرجفة و منهم من أردته الخسفة و ما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون و لو كشف لك عما عليه الظالمون و آل إليه الأخسرون لهربت إلى اللّه مما هم عليه مقيمون و إليه صائرون، أيها الناس اني فيكم كهارون في آل فرعون و كباب حطّة في بني اسرائيل و كسفينة نوح في قوم نوح و اني النبأ العظيم والصديق الأكبر و عن قليل ستعلمون ما توعدون و هل هي إلا كلعقة الآكل و مذقة الشارب و خفقة الوسنان ثم تلزمهم المعرات خزياً في الدنيا و يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب و ما اللّه بغافل عمّا يعلمون
[من خطبة طويلة ذكرت في روضة الكافي ملحقة بتحف العقول ص 139 قالها بعد النبي بسبعة أيام عرفت بالوسيلة لذكر الوسيلة فيها و هي منزلة له و لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يصل إليها نبيّ مرسل و لا ملك مقرّب و في هذه الخطبة نصائح مهمة و آداباً جمة لو عملت الاُمة بها لأكلت من فوق رؤوسها و من تحت أرجلها و لأجابتها الطير في الأجواء ولكنها أبت إلا النكوص والطغيان.]
أما واللّه لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر و هم أعدادكم لضربتكم بالسيف حتى تولوا إلى الحق و تنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق و آخذ بالرفق اللّهم فاحكم بيننا بالحقّ و أنت أحكم الحاكمين.
ثم خرج من المسجد فمر بصيرة فيها نحو من ثلاثين شاة فقال: واللّه لو ان رجالاً ينصحون للّه عز و جل و لرسوله بعدد هذه الشياة لا زلت ابن اكلة الذبان
[في الحيوان للجاحظ ج 3 ص 125 ورد في شعر السيد الحميري ان أباقحافة آكل الذبان فإنه كانت بيده مذبة يطرد بها الذبان عن جفنة ابن جدعان و يدور حولها والشعر هذا:
أترى صهاكاً و ابنها وابن ابنها- و أباقحافة آكل الذبان
كانوا يرون و في الاُمور عجائب- يأتي بهن تصرف الأزمان
ان الخلافة في ذؤابة هاشم- فيهم تصير و هيبة السلطان.]
عن ملك و عند المساء بايعه ثلاثمائة و ستون رجلاً على الموت فقال
عليه السلام: اغدوا إلى (أحجار الزيت) محلقين و حلق أميرالمؤمنين فما وافاه من اُولئك محلقاً إلا أبوذر والمقداد و عمّار و حذيفة بن اليمان و سلمان فرفع أميرالمؤمنين يده إلى السماء و قال: اللّهم ان القوم استضعفوني كما استضعفت بنوإسرائيل هارون اللّهم انك تعلم ما نخفي و ما نعلن و ما يخفى عليك شي ء في الأرض و لا في السماء توفّني مسلماً و ألحقني بالصالحين.
أما والبيت والمفضي إلى البيت لو لا عهد عهده النبي صلّى اللّه عليه و آله لأوردت المخالفين خليج المنية و لأرسلت عليهم شابيب صواعق الموت و عن قليل سيعلمون
[من خطبة الطالوتية المتقدمة.]