مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
عصمة الزهراء (ع) / مركز الشعاع الاسلامي
+ = -

عصمة الزهراء (ع)

المتتبع للنصوص الواردة في القرآن والسنة الشريفة عن أهل البيت (ع) بما فيهم الزهراء (ع) لا يجد سوى الاقرار بعصمتهم وعلو شأنهم عن الذنوب والمعاصي ، وإليك لمحات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تثبت عصمة أهل البيت (ع) وطهارتهم وقد مر عليك ذكر بعضها.
لقد مرت عليك عزيزي القارئ آية التطهير ودلالتها على عصمة أهل البيت المقصودين في الآية وفاطمة منهم ونورد الأدلة التالية تعزيزا لقولنا بعصمة فاطمة (ع):
1 ـ قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عنها إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، هذا القول للرسول صلى الله عليه و آله و سلم تلازمه العصمة لأنه من المستحيل أن يناط غضب الزهراء بغضب الله سبحانه وهي غير معصومة … لأن القول بعدم عصمتها يعني إمكانية وقوعها في الزلل والخطأ وربما تغضب لغير الحق ، والرسول صلى الله عليه و آله و سلم في كلامه إطلاق بلا تقييد يعني أن الزهراء (ع) لن تغضب إلا لشئ يغضب الله بسببه ومن كان غضبه يعني غضب الله فهو لن يفعل إلا الحق ولن يخطئ أو يميل إلى الباطل طرفة عين وبالتالي يمثل غضبه الحق ، وفي الواقع إن هذا الحديث يدلل أن للزهراء مكانة عظيمة لا تدرك بالعقول.
ولبيان هذه العظمة التي من تجلياتها عصمتها (ع) أكد الرسول تكرارا عليها كقوله صلى الله عليه و آله و سلم « فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها »1. إن أذى الرسول يعني أذى الرسالة ، أذى القيم والمبادئ ، لأنه صلى الله عليه و آله و سلم هو محور الحق بل هو الحق الذي يجب أن نقتبس منه ، إن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يمثل الإرادة الإلهية وهو قطب الرحى الذي به يعرف الموحد من المشرك والكافر إذ أن الله تعالى غيب لا ندركه بعقولنا وأوهامنا والارتباط به تعالى يكون عبر رسله وأنبيائه. لذلك كان مبعث الأنبياء وتولية الأوصياء. ولذلك لا يكون الرسول إلا معصوما حتى لا يفترق عن الحق لحظة واحدة وبالتالي تكون كل تصرفاته حق وأذيته تعني التحدي للرسالة والإرادة الإلهية ولبيان هذه الحقيقة يقول القرآن الكريم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ … ﴾ 2 وأكرر القول إن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عندما يتحدث عن شخص أو يدلى بأي حديث فمن منطلق مسؤوليته تجاه الرسالة وبالتالي يستبعد أي مجاملات أو تقريظ بلا حق ، والمتفق عليه أن قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وفعله وتقريره حجة يعني شرع نتعبد به قربة إلى الله تعالى. وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام فاطمة بضعة مني يعني هي جزء لا يتجزأ من كيانه وروحه وهو كما قلنا محور الحق والشرع وبالتالي تكون الزهراء (ع) أيضا كذلك ، لذلك جعل الرسول أذاها أذاه وكلشيء يريبها يريبه وهو المعصوم الذي لا تميل به الأهواء ومن يكون جزءاً منه يؤذيه ما يؤذيه فهو أيضا مؤهل أن يكون معصوما. وبهذا التقريب نرى عصمة الزهراء (ع) جلية وواضحة فقط تحتاج إلى وجدان صاف سليم وعقل مستنير.

2 ـ قوله تعالى ﴿ … قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 3 إن كل الأنبياء السابقين لم يطلبوا أجرا من أقوامهم إنما كان قولهم ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 4 لقد ذكر ذلك في القرآن على لسان الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب 5. ولكن نبينا الأعظم أمره الله عز وجل بأن يسأل أمته المودة في القربى ولكن لا لكي يستفيد هو بل لتستفيد أمته ، لأنه ليس بدعا من الرسل ليطالب بأجر لرسالته من دون الرسل ، كما أنه ليس من المتكلفين كما جاء على لسانه قوله تعالى ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ 6، ودليلنا على أن الفائدة من هذا الأجر الذي طلبه منا تعود علينا نحن قوله تعالى ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ … ﴾ 7، وبنظرة أخرى إلى آيات القرآن الحكيم نجد أن هذا الأجر المتمثل في مودة القربى هو السبيل إلى الله تعالى في قوله عز وجل ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 8، وهو الذكرى للعالمين كما يقول تعالى ﴿ … قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ﴾ 9. إذا مودة القربى هي الذكرى وهي السبيل الذي يقول عنه تعالى ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ 10 والسبيل إلى الله لا بد أن يكون قويما لا عوج فيه يعني باتباعه نضمن أننا على الصراط المستقيم ونهايتنا الجنة بمعنى أقرب لا بد أن يكون معصوما وقد تجسد في القربى وهم أهل البيت (ع) كما هو المسلم به عند جميع المسلمين فيما يرتبط بنزول الآية في أهل البيت (ع) وفاطمة عماد ذلك البيت فوجب أن تكون معصومة لأنها أحد مصاديق ذلك السبيل.

3 ـ فاطمة (ع) ومريم (ع) : فيما سبق من روايات وضح لنا أن فاطمة الزهراء (ع) هي سيدة نساء العالمين وهي سيدة نساء الجنة. وما إليه من أحاديث تثبت أن الزهراء (ع) أفضل النساء من الأولين والآخرين ، ومن جملة النساء الكمل مريم الصديقة (ع) أم النبي عيسى (ع) لقد ارتقت مريم سلم الكمال حتى اصطفاها الله تعالى وطهرها ، بل وخاطبها الوحي كما جاء في القرآن الكريم يقول تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ 11 لقد طهر الله مريم واصطفاها وهذه هي العصمة بعينها ، ولا يمكن بمجال أن يكون الفاضل أقل درجة من المفضول فإذا ثبتت عصمة مريم (ع) فبالأولى إثبات عصمة الزهراء (ع) لأنها أعلى رتبة وأخص درجة بما عرفت عنها ومدح الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لها.
لقد أوردنا ما أوردناه لإثبات عصمة الزهراء (ع) أو لا أقل بيان قدسيتها بحيث يمتنع صدور فعل قبيح منها يخالف الشرع أو يرضي طموحا شخصيا لها. ورغم قناعتي بأن الكثير من المسلمين لا يحتاجون إلى مزيد من الكلام حول طهارتها وقدسيتها إلا أنني تأكيدا للحجة على المعاندين والمغالطين أطلت الحديث عن هذا الموضوع ولأنه سيكون المعتمد الأساسي في الإجابة على سؤال عريض سيواجهنا وتجب الإجابة عليه. ألا وهو أين نقف نحن بالنسبة لموقف الزهراء من أبي بكر؟ وكيف المخرج؟ هل يجوز لنا القول بأن الزهراء (ع) مخطئة؟
أما بالنسبة للسؤال الأخير فلا يحق لنا ذلك بل إن القول به يعني الكفر بالله وبآياته وبرسوله ، ويبدو لي أن الإجابة على بقية الأسئلة واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء.

ولكن قبل أن أنهي الحديث عن هذا الموضوع ، الذي أترك فيه المجال لأصحاب العقول المنيرة والضمائر الحية ليحددوا فيه الموقف ، أعرج على حديث شغلني كثيرا وأنا أقيم موقف الزهراء (ع) من الخليفة أبي بكر وغضبها وعدم السماح له ولعمر بالصلاة عليه حتى وهي ميتة ، ألا وهو الحديث المشهور (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
حسنا لقد أصبح أبو بكر خليفة للمسلمين بعد انتقال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى الرفيق الأعلى. والخليفة هو الإمام وقد جاء في الحديث أن من لم يعرفه يموت ميتة كميتة الجاهلية. وفاطمة (ع) ليس فقط لم تعرف الخليفة بل عارضته وهاجمته وغضبت عليه وأمرت أن لا يصلي عليها فكيف المخرج من هذه المعضلة؟! فإما أن تكون فاطمة ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله وهذا ما لا يقول به مؤمن برسالة أبيها صلى الله عليه و آله و سلم وإما أن تكون في موقفها على حق وبالتالي تنسف كل شرعية للخلافة القائمة آنذاك وهو ما قامت عليه الأدلة والبراهين فثبتت نقلا وعقلا كما بينا وسنبين المزيد إن شاء الله تعالى.

بماذا طالبت الزهراء (ع)؟

لقد جاء في البخاري ومسلم وغيرهما من المصادر أن الزهراء طالبت بفدك ولا شك ولا ريب أنها كانت تطالب بشئ تعتبره ملكا لها أو حقا شرعيا خاصا بها.
لقد طالبت فاطمة بالإضافة إلى فدك بحقوق أخرى سنذكرها .. لكنها أظهرت فدك باعتبار أن ملكيتها آلت إليها بوجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل وفاته وبالتالي لا ربط لها بقضية الميراث التي زعموا أن الرسول خارج عنها.

أما فدك فقد قال عنها ياقوت هي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة وفيها عين فوارة ونخيل كثير 12 وقصتها أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بعث إلى أهل فدك وهو بخيبر منصرفه منه يدعوهم إلى الإسلام فأبوا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوبهم فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يصالحونه على التصرف فقبل منهم 13.
وفي فتوح البلدان : فكان نصف فدك خالصا لرسول الله لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.
لقد كانت فدك ملكا لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ومعلوم أن من حقه التصرف في ملكه وقد كان ذلك حينما منحها لقرة عينيه فاطمة كما جاء في شواهد التنزيل للحسكاني وميزان الاعتدال للذهبي ومجمع الزوائد للهيثمي والدر المنثور للسيوطي واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري : لما نزلت (وآت ذا القربى حقه) دعا النبي صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة وأعطاها فدك 14.
إذا فدك كانت ملكا وحقا لفاطمة الزهراء ولا يجوز بحال من الأحوال منعها هذا الحق وهي هي كما علمت .. فكيف يجرؤ أحد على منعها ما أعطاه لها الرسول بأي حق كان ذلك؟ لقد قالوا أن الأنبياء لا تورث ـ ورغم عدم ثبوت ذلك فإن فدك لم تكن من التركة حتى يحتج عليها بهذا الحديث ، ولقد تدرجت الزهراء في مطالبتها بحقوقها حتى تتضح الأمور لذي عينين غير أن بعض الأحاديث جاءت مجملة غير مفصلة تختلط فيها لدى القارئ أوراق القضية فيظن أن فدكا كانت ميراثا وكذلك سهم ذي القربى في حين أن كل ذلك غير الميراث ، وحتى تتضح الرؤية دعنا نفصل بعض الشئ في هذا الأمر.

لقد طالبت فاطمة أولاً بما أعطاه لها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ثم ثانياً بإرث الرسول وثالثا بسهم ذي القربى ، بسهم ذي القربى ، وإليك بعض الكلام في هذه المطالبات.
أولاً : المطالبة باسترداد فدك التي لها ملكيتها.
جاء في فتوح البلدان : إن فاطمة (رض) قالت لأبي بكر الصديق (رض) أعطني فدك فقد جعلها رسول الله لي ، فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فشهدا لها بذلك ، فقال : إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل ومرأتين 15.
وفي رواية أخرى : « شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهدا أخر فشهدت لها أم أيمن » ، وإن عشت أراك الدهر عجبا فاطمة (ع) التي نزلت آيات القرآن تطهرها وتعصمها تكذب وتسأل البينة. إنها سيدة نساء العالمين. الصديقة الطاهرة التي بلغت درجة من العصمة والطهارة حتى صار غضبها غضب الرب ورضاها ، رضاه لقد قبل المسلمون شهادة أبي بكر في حديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم نحن معاشر الأنبياء لا نورث فكيف لا يقبلون ادعاء الزهراء بأن فدكا ملكها؟ لقد تجلت حكمة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم حينما أكد على مكانة الزهراء وصدقها في الأحاديث المتقدمة خاصة ما جاء على لسان عائشة بنت أبي بكر لقد قالت ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها أي فاطمة (ع).

لقد وقفت حائرا أمام هذا الموقف! أين أقف؟! هل أضرب بكلام الوحي وقول  الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عن فاطمة عرض الحائط ، وأؤيد تكذيب القوم لها!
أم ماذا أفعل؟ بلا شك لن أجعل كلام الرسول هذرا ولن أضعه وراء ظهري كما أنني لن أبرر ما فعلوه حينما صدوا الزهراء عن حقها .. لقد استولى أبو بكر على فدك كما استولى على غيرها من الأملاك والحقوق الخاصة بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم .. ولا أرى مبررا وجيها يدعوه لمنع الحق عن أصحابه إلا أن يكون هنالك أمر آخر ربما خفي علي وعليك أيها القارئ العزيز لكن مجريات الأحداث ستبين لك ما هو غامض!!
ثانياً : مطالبتها بإرث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عن أبي الطفيل بمسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داوود وتاريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير وشرح النهج واللفظ للأول قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت وارث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أم أهله؟
قال : فقال : لا ، بل أهله ، قالت : فأين سهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم 16.
وفي رواية عن أبي هريرة في سنن الترمذي : أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر وعمر (رض) تسأل ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقالا : سمعنا رسول الله يقول إني لا أورث ، قالت والله لا أكلمكما أبدا ، فماتت ولا تكلمهما 17.

وغيرها من الروايات الكثيرة التي تتحدث عن منع أبي بكر فاطمة ميراثها من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أبيها ، بما في ذلك الحديث الذي بدأنا به هذا البحث.
ثالثا : المطالبة بسهم ذي القربى.
لقد منعوها ملكها الخالص فدك وجاؤوها بحديث الأنبياء لا يورثون الذي قال فيه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده وقال إن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده ، ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي الواحد ، وقال شيخنا أبو علي : لا يقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة ، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم ، واحتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده نحن معاشر الأنبياء لا نورث 18.  عندما لم يجيبوها في كل ذلك طالبتهم بسهم ذي القربى ، فقد جاء عن أنس بن مالك أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى. ثم قرأت عليه قوله تعالى ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 19 فقال لها أبو بكر بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وحق قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرأين منه ، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملا قالت : فلك هو ولأقربائك؟! قال : لا ، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين ، قالت : ليس هذا حكم الله 20.

وفي فتوح البلدان وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام للذهبي وشرح النهج عن أم هاني قالت : إن فاطمة بنت رسول الله أتت أبا بكر (رض) فقالت : من يرثك إذا مت؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فما بالك ورثت رسول الله دوننا؟! قال : يا بنت رسول الله ما ورث أبوك ذهبا ولا فضة ، فقالت : سهمنا بخيبر وصافيتنا فدك.  ولفظ طبقات ابن سعد : فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا بيدك.
وفي لفظ ابن أبي الحديد وتاريخ الإسلام للذهبي :
قال : ما فعلت يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فقالت : بلى إنك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأخذتها ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا 21.
لقد طالبت الزهراء (ع) بحقوقها كاملة فلم تحصل منها على شيء ولا أدري لماذا منعت وردت! إما لأنها كذبت في دعواها وحاشا لمن وعى كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وآمن بالوحي حقا أن يدعي عليها مثل هذه الفرية وقد علمت حرص الرسول 6 في الحديث عن فاطمة (ع) حتى لا تذهب المذاهب بالقوم وكيف يمكن أن تكذب وهي المطهرة بنص القرآن والمعصومة والصادقة في سيرتها كما جاء في الروايات وهي التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها؟ إنها الزهراء (ع) ميزان الحق الذي به يعرف الباطل وأي خطأ وخطل يرتكب من يحاول أن يشكك في حقها الذي طالبت به؟ لأن ذلك يعني الشك في قول الله تعالى وقول رسوله.

وليس هناك مجال لمدح يدعي أنها كانت جاهلة بحقوقها وأنها ربما لم تسمع بأنها لن ترث أباها وأن ملكها يمكن أن يتصرف فيه الخليفة كيف يشاء. إذ أن من المستحيل أن يغفل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن بيان ذلك لابنته الزهراء (ع) ، وهي المعنية بالأمر في الدرجة الأولى دون سائر المسلمين .. وزوجها هو علي بن أبي طالب الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أنا مدينة العلم وعلي بابها 22، وقد أكد علي (ع) دعوى فاطمة (ع) حينما قال أبو بكر : قال رسول الله لا نورث ما تركناه صدقة فقال علي :﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ … ﴾ 23 وقال ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ … ﴾ 24 قال أبو بكر : هو هكذا وأنت والله تعلم مثل ما أعلم فقال علي : هذا كتاب الله ينطق! فسكتوا وانصرفوا 25.
إذا فاطمة كانت تدرك تماما ما تفعله وعن علم كامل بحقوقها وإلا لماذا استمر غضبها إلى حين وفاتها ولم تتراجع بل احتجت على أبي بكر بأن الأنبياء يورثون من القرآن الحكيم في خطبتها التي خطبتها أمام الخليفة الأول وذلك بعد منعها منحتها وإرثها وحقها في الخمس.

جاء في شرح النهج وبلاغات النساء لأحمد بن طاهر البغدادي : لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها واشتملت جلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله ثم قالت : أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها :
ثم أنتم الآن ، تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون.
وفي معرض خطبتها الغراء تواصل الزهراء احتجاجها بما جاء من القرآن عن ميراث الأنبياء فقالت : أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله تبارك وتعالى :﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ … ﴾ 23 وقال الله عز وجل في ما قص من خبر زكريا ﴿ … فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ … ﴾ 26 وقال عز ذكره ﴿ … وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ … ﴾ 27 وقال ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ … ﴾ 28 وقال ﴿ … إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ 29 وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج نبيه صلى الله عليه و آله و سلم منها أم تقولون : أهل ملتين لا يتوارثان. أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن من أبي وابن عمي أفحكم الجاهلية تبغون …30.

إن للزهراء من منازل القدس عند الله عز وجل ورسوله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي والطمأنينة الكاملة بكل ما تنطق به ، ولا تحتاج ـ 3 ـ في كلامها إلى شاهد … ودعواها بمجردها تكشف عن صحة المدعى به كشفا تاما بلا نقصان .. ومع ذلك فقد جاءت ـ كما ذكرنا ـ بشاهد لا أظن أنهم يحتاجون إلى شاهد معه وهو علي (ع) أخو النبي صلى الله عليه و آله و سلم الذي لا يفارق الحق والقرآن أبدا .. ولكن رفضت شهادته ولعمري إن شهادة علي أولى من شهادة خزيمة التي جعلها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كشهادة عدلين … ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي (ع) كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فلماذا لم يطلب أبو بكر من فاطمة اليمين فإن حلفت وإلا ردت دعواها؟! لوجوب الحكم بالشاهد واليمين كما رواه مسلم في أول كتاب الأقضية عن ابن عباس قال : قضى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيمين وشاهد ، ونقل في الكنز عن الدارقطني عن ابن عمار قال : قضى الله في الحق بشاهدين ، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف معه.
ومما يحير الألباب أن تكذب فاطمة وترد دعواها ولا تقبل شهادة علي كل ذلك حرصا منهم على منعها منحة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعد أن جعلوها من متروكات الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يعني من حق ورثته.

لكنهم جاؤوا بحديث الأنبياء لا يورثون واحتجت عليهم الزهراء في خطبتها بأنها تستحق ميراث رسول الله فذكرت من الأدلة القرآنية ما يروي الظمأ ويبين الحق وتلت الآيات التي ورث فيها الأنبياء وكون حكمها عاما يشمل ابنة النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم ثم عرجت على آيات الميراث العامة والتي خوطب بها النبي صلى الله عليه و آله و سلم فكان الأولى أن تطبق عليه ثم على سائر المسلمين ، يقول السيد عبد الحسين الموسوي : إن توريث الأنبياء منصوص عليه بعموم قوله عز من قائل ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ 31 وقوله تعالى ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ … ﴾ 28 إلى آخر آيات المواريث وكلها عامة تشمل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فمن دونه من سائر البشر فهي على حد قوله عز وجل ﴿ … كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ … ﴾ 32. وقوله سبحانه وتعالى ﴿ … فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ … ﴾ 33 وقوله تعالى ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ … ﴾ 34 الآية. ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي صلى الله عليه و آله و سلم وكل مكلف من البشر لا فرق بينه وبينهم ، غير أن الخطاب فيها متوجه إليه ليعمل به وليبلغه إلى من سواه ، فهو من هذه الحيثية أولى في الالتزام بالحكم من غيره كذلك آيات الميراث تخص الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كغيره من سائر الناس عملا بظاهر الآيات الكريمة 35.
أما كون الأنبياء السابقين قد ورثوا المال فهذا ما نجده في ظاهر الآيات التي تحدثت عن زكريا (ع) وغيره من الأنبياء كما ذكرت الزهراء في الخطبة ولعل هنالك من يدعي أن ميراث الأنبياء كان العلم دون المال ولكن ذلك خلاف الظاهر من الآيات إذ أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلا على ما ينتقل من الموروث إلى الوارث كالأموال ولا يستعمل في غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة وقرينة … وبالجملة لا بد من حمل الإرث في الآيات القرآنية التي تتحدث عن ميراث الأنبياء على إرث المال دون العلم وشبهها حملا للفظ يرثني على معناه الحقيقي المتبادر إلى الذهن إذ لا قرينة على كون المراد في الآيات توريث العلم ومن يدعي ذلك عليه الإثبات وعلى فرض أن الأنبياء ورثوا العلم لأبنائهم وذويهم فهلا سمعوا العلم عمن ورثه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأخذوا بكلام هؤلاء الورثة ورثة علم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الذين هم أعلم بأحكام الدين من غيرهم واتبعوهم أمنا من الضلال « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ».

ومما يثير التساؤل ميراث زوجات النبي في بيوته التي اختص بها نساءه ، عائشة كيف تسنى لها البقاء في بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم مع أنه وعلى حسب مدعاهم لا يورث ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم ملكها هذا البيت في حياته كما أن أباها الخليفة الأول لم يطالبها ببينة وانتقلت إليها ملكية البيت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وأصبحت هي المتصرفة فيه حتى أن أبا بكر وعمر طلبا منها الإذن حتى يدفنا بجوار رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما أنها منعت من دفن من هو أكثر نصيبا منها على فرض أنه من الميراث لأنها ترث التسع من الثمن باعتبارها إحدى تسع أزواج مات النبي صلى الله عليه و آله و سلم وهن في عصمته ، وللزوجة كما هو معلوم ثمن الميراث إن كان له ولد بينما يرث الحسن (ع) عن طريق أمه فاطمة (ع) أكثر منها ومع ذلك ينقل لنا اليعقوبي في حادثة وفاة الحسن بن علي (ع) ثم أخرج نعشه يعني الحسن يراد به قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فركب مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص فمنعا من ذلك حتى كادت تقع الفتنة وقيل أن عائشة ركبت بغلة شهباء ، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد 36.

والقرآن الحكيم يثبت أن هذه البيوت التي أودع فيها زوجاته هي له دون الزوجات في قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ … ﴾ 37 فنسبة البيوت إلى النبي واضحة فهو الأصل وزوجاته عرض على هذه البيوت ولا يعترض قائل بأن الله تعالى يقول أيضا ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ … ﴾ 38 لأن كلمة ﴿ … بُيُوتِكُنَّ … ﴾ 38 هنا تشمل البيت الذي كان في زمن حياة النبي صلى الله عليه و آله و سلم والذي تنتقل إليه الزوجة عادة بعد وفاة زوجها … فالزوجة إما ترجع إلى بيت أهلها أو تبقى في بيت زوجها والأخير لا يتم إلا عن أحد طريقين إما أنها تملكته في حياة زوجها أو أنها ورثته عنه والثاني غير ممكن بالنسبة لزوجات النبي صلى الله عليه و آله و سلم عند من يؤمن بحديث لا نورث أما الأول فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قد نحل البيوت لأزواجه ، في حين أن فدكا نحلت لفاطمة الزهراء كما جاء في تفسير آية ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ … ﴾ 39 قالوا لما نزلت هذه الآية دعا النبي صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة وأعطاها فدك 40.
إذا كلمة ﴿ … بُيُوتِكُنَّ … ﴾ 38 لا دلالة فيها على ملكية زوجات النبي صلى الله عليه و آله و سلم لبيوته بل الآية الأولى واضحة في نسبة البيوت للنبي صلى الله عليه و آله و سلم وهي المقيدة للآية الثانية في حال حياة النبي صلى الله عليه و آله و سلم.
لقد طالبوا الصديقة الطاهرة بالبينة ولم يطالبوا غيرها بذلك … ما السبب؟! ذلك ما ستكشف عنه الأحداث كما سنفصل 41.